حميد الشاكر
في كثير من الاحيان يلفت نظري الربط الاسلامي في تعاليمه الفردية والاجتماعية بين ماهو فردي انساني او اجتماعي اسري او سياسي حكومي ، وبين الايمان بالله سبحانه وتعالى مباشرة ، بحيث تبدو ان المعادلة جديرة بالتأمل في اهدافها وغاياتها ومفاهيمها والمصاديق في علّية هذا الربط ومبتغاه على الجملة ؟..مثلا عندما تقرأ في الاحكام الاسلامية قول رسول الانسانية محمد ص : (( النظافة من الايمان )) فعندئذ انت بالرغم منك متوقف بين معادلة النظافة من جهة ، ومعادلة الايمان من الجهة الاخرى ، لتسأل : ماعلاقة النظافة كشأن فردي واسري واجتماعي انساني وحضاري مئة بالمئة ، والله سبحانه ومنسوب الايمان به والاتصال القلبي والفكري والروحي بعالمه الغيبي العظيم ؟!.طبعا هناك من السلفية الاسلاموية التكفيرية الوسخين لايرون في ان منطوق (( النظافة من الايمان )) هو حديث نبوي ، مع ان بعض نقلة الحديث تنقل هذا المنطوق عن النبي الاكرم محمد ص ، ومع هذا يبدو ان هناك مشكلة اعرابية او بدوية بين النظافة وايمان هذه السلفية يمنعها من قبول ان تكون النظافة من الايمان ، بل يرحبون بان تكون الوساخة من الايمان لتدلل على الزهد في الدنيا مثلا !!!. ، ولكن وعلى اي حال هناك علاقة واضحة بين الاسلام والنظافة تتجلى بابهى صورها من خلال الحثّ على النظافة والطهارة واستخدام المياه ورفع الخبائث وتجنّب الروائح الكريهة ، واستخدام العطور ...... وهكذا باعتبار انها المدخل لاعظم العبادات الاسلامية الا وهي الصلاة التعبير العملي عن التقاء الانسان بربه ، وباقي العبادات التي تحث على النظافة بصورة مباشرة ، وعليه سؤالنا حول ماهية العلاقة بين النظافة والايمان بالله سبحانه لم يزل في موضعه المناسب حتى ان قال الوسخين ان حديث (( النظافة من الايمان )) ضعيف او واه او موضوع !.نعم هناك علاقة واضحة ومباشرة في الاسلام الذي بُني على اساس انه مدرسة حياة متكاملة للبشرية وخاتم الاديان السماوية ، وبين جميع الشؤون الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ....، وبما فيها طبعا شأن النظافة في حياة الانسان والمجتمع !.ان الاسلام عندما يقرر ان :(( النظافة من الايمان )) لايعني هذا انه يريد القول : ان النظافة جزء رئيسي ومدخل طبيعي للقيام بالعبادات الفردية للانسان المسلم في هذه الحياة فحسب ليعطي للنظافة البعد التعبدي لتصبح النظافة عبادة في الاسلام ايضا مع كونها حضارة انسانية قبل ذالك ، وانما هو يشير في مقولته الرائعة هذه الى معنى اعمق وابعد واخطر من المعاني المادية الحضارية لمصطلح النظافة هذا ، وهو بعد ربط النظافة ليس بالعبادة فحسب بل بالايمان العقدي مباشرة ايضا ، لتصبح النظافة من الايمان وليس من العبادة فقط !.بمعنى اخر : ان هناك فرق جوهري عندما يربط الاسلام بين اشيائه الاجتماعية والاخرى الفكرية بين ماهو شأن مختص بحالة العبادة وممارساتها السلوكية الفردية والاجتماعية الجسدية او الاخلاقية ، وبين ماهو شأن مختص بحقل الايمان بالله سبحانه وتعالى مباشرة ، فحقل الايمان حقل متصل بالفكر والرؤية والقلب والروح والنفس ، بخلاف حقل العبادة المختص غالبا بالسلوك والجوارح وظواهر حياة الانسان وممارساته اليومية ، ومن هنا نفهم بدقة لماذية ربط النظافة في هذا الحديث الشريف بينه وبين الايمان ؟.وماهي اهمية ان تكون النظافة من الايمان وليس من العبادة فحسب ، من منطلق ان الاسلام يعتبر قضية النظافة ليس سلوكا فحسب بل هي رؤية وفكرة وثقافة بشكلها الواقعي والدقيق ، قبل ان تتحول الى سلوك وحركة وواقع في الحياة ، ومثل هذا الجزء لموضوعة النظافة هو مايحولها من مجرد عبادة الى كونها ايمان ومعتقد وفكرة !.بمفهوم اخر وزاوية اكثر وضوحا نقول : ان الاسلام اراد من كلمة :(( الايمان )) في حديثه الاسلامي العام : ان يجعل الايمان مقياسا وميزانا اعلى من العبادة في الاسلام ، فالايمان مع انه شأن مختص بالداخل والقلب والفكر والروح والنفس الانسانية ..، الا انه مع ذالك هو الحاكم على العبادة وليس العكس ، فربما وجدت هناك الكثير ممن غرقوا نهائيا بحالة العبادة والذوبان والاجتهاد في الصلاة والصوم .... وباقي العبادات الظاهرية في الاسلام الا انهم أناس فارغين تماما من الايمان ومنتزعين بالمطلق من حالة الارتباط الداخلي الحقيقي مع الله سبحانه وتعالى كالخوارج في التاريخ والسلفية في العصر الحديث ، فمثل هؤلاء يعيشون حالة انفصام في الشخصية وتناقض في الهوية ، ولهذا فرّق الاسلام بين الايمان والعبادة وجعل الاول مقياس وميزان للثاني ليقول لنا : نعم (( النظافة من الايمان )) وليس من العبادة ، فربما وجدت من يتعبد بالوساخة على اساس انها زهد في بهرجة الحياة الدنيا ، وربما وجدت ايضا عابدا يعبد الله سبحانه في اليوم بالف ركعة وصيام الدهر وقيام الليل والناس نيّام ، ومع ذالك هو كتلة متحركة من الوساخة والقذارة وعدم التحضر والابتعاد عن النظافة لالسبب معقد الا لانه عابد ولكن ليس مؤمنا !!.أما ان صادفت مؤمنا يحمل الايمان شعارا ودثارا ، وهو قليل بضاعة العبادة ، ولايقوم ليل دائم ولايصوم نهار متصل ولكنه مع كل ذالك تراه كتلة من النظافة وان قلّ زاده في العبادة ، وهذا ايضا ليس لسبب معقد الا لكونه مؤمنا بفكرة قبل ان يؤمن بعبادة !.ان النظافة عندما ينسبها الاسلام للايمان وليس للعبادة فليس هذا شيئا اعتباطيا في حسابات الموازين الدينية بالاسلام ، بل انه ربط غاية في الدقة والحساسية ، لاسيما ان ادركنا مضافا لما تقدم ان ماهية هذا الربط تريد ان تؤسس للقاعدة الاسلامية لكل فرد من افرادها المؤمنين بالاسلام ولتقول لهم : انظروا الى الانسان في جسده وسلوكه وملبسه ...... ، وانظروا للمجتمع في شوارعه واحيائه واسواقه وازقته ومكبّات النفايات فيه ...، انظروا الى هذه الاشياء من خلال ليس فخامتها ولا غلائها وقيمتها الاقتصادية المادية ، بل الى النظافة فيها وان قلّت قيمتها المادية ،.... في الشوارع النظيفة والازقة والاسواق وبين البيوت وفي المدارس واماكن تجميع القمامة للمدن والقرى ...، كل هذا هو الدليل على ايمان هذا الفرد بالله سبحانه وتعالى ، او ايمان هذا المجتمع بهذا الاله النظيف الذي لايقبل ويحبّ الا نظيفا كما ورد في الحديث الشريف !.بمعنى اخر : يربط الاسلام بين النظافة والايمان باعتبار ان النظافة هي المقياس والميزان لمرتبة الايمان بالله سبحانه وتعالى ، وكلما كانت النظافة بارزة للناظرة البشرية كلما كان مصداق الايمان بالله سبحانه ناطقا باكمل واجمل وابهى صوره الايمانية ، كما ان الاسلام هذا نفسه جعل من الايمان مقياس وميزان لصحة العبادة كما ذكرناه انفا ، كذالك جعل النظافة هي الميزان للايمان ، ويالها من قيمة عالية هي تلك النظافة التي يجعلها الاسلام مقياس الايمان بالله سبحانه ، بحيث عدم وجودها يدلل على عدم وجود ايمان بالله مستقيم ، فالوساخة دليل وجود نقص في الايمان حسب مصاديق مفهوم (( النظافة من الايمان )) فالوساخة على هذا الرأي من عدم الايمان ، عكس النظافة فيها !.نعم صحيح ان النظافة مسؤولية فردية في الاسلام وليس هي مسؤولية حكومية ولااخرى سلطوية او ادارية بلدية ، مايعني ان مدننا واحيائنا واسواقنا وازقتنا وبيوتنا ...... هي مسؤوليتنا الدينية الاسلامية كأفراد نحاول التعبير من خلالها ومن خلال نظافتها والاحتفاظ بها جميلة وانيقة وصحيّة ايضا عن نظافة ايماننا بالله وعمقه ورسوخه واكتماله ، ثم تأتي بعد ذالك الخدمة الحكومية الادارية لتتم ما انجزه المجتمع من نظافة ، وطالب به الفرد من ادامة لهذه النظافة !.اي اننا عندما نهتم بنظافة مدننا وبيوتنا واجسادنا ..... وباقي اشيائنا التي هي بحاجة الى ادامة نظافة ، نكون بذالك اصحاب تعبير عملي عن ايماننا بالله سبحانه وشدّة اتصالنا الصحيح به والناصح لتعاليمه ، بعكس ما اذا اهملنا مدننا وساهمنا بوساختها ، وادمنا التظاهر بالعبادة في كثرة الصلاة قرب النفايات ، وزيادة الصيام في محلات الاوبئة والامراض وعدم الاهتمام بالشؤون العامة ، ففي مثل هذه الحالة نحن بدلا من ارادة التعبير عن العبادة عبّرنا عن عدم الايمان ولكن بصورة العبادة الوسخة !.تمام :(( النظافة من الايمان )) فامتحنوا ايمانكم بالنظافة وليس بشيئ اخر ، فالايمان يفضي للنظافة ، والنظافة لسان صدق عن الايمان !._________________________اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha