حسن الهاشمي
مثلما يحفظ الدستور حقوق الأفراد كذلك يحفظ معتقدات الناس وطقوسهم الدينية ومثلما يتكفل بحرية الأفراد كذلك تسن القوانين التي تحفظ حرية الأفكار شريطة أن لا تخل بمعتقدات الأكثرية مع صون معتقدات الأقلية، فمن حق المواطن المسلم الإفطار في شهر رمضان المبارك في بيته لأي سبب كان ولكن ليس من حقه الإجهار به أمام العلن احتراما للأكثرية المسلمة الصائمة وصونا لمعتقداتهم، وكذلك من حق الذمي وغيره شرب الخمر الذي يعتقد بإباحته في البيت وليس من حقه الخروج ثملا والاعتداء على حقوق الآخرين، فالحق الشخصي يتوقف عند حقوق الآخرين.
فالقانون ضمن للأشخاص ممارسة حقوقهم مادامت غير متقاطعة مع حقوق عامة الناس، فالمصلحة الشخصية ينبغي أن تكون على طول المصالح العامة وليس في عرضها، هذا هو مفهوم الحقوق الخاصة والعامة في المجتمعات المتحضرة، وعلى المشرع أن يحافظ على خصوصياتي الحقيقية والحقوقية ولا يكون ذلك إلا بعد سن القوانين التي تحفظ حقوق المرأة العفيفة في الشارع، الضوابط التي تجعل عملية التفسخ شبه متلاشية، الجوانب التربوية السليمة سواء في التدريس أو في الوظائف أو الجهات المرتبطة بالدولة، لا بد أن يوجد برنامج يدخل في صلب وظائفنا إزاء مجتمعنا وأولادنا وبناتنا، الأب له مسؤولية والأم لها مسؤولية والدولة لها مسؤولية، هذه المسائل تحتاج إلى جهد مضاعف، تحتاج إلى جهد تربوي من الأب وكذلك الدولة، وبالأخص وزارة التربية الموقرة، أليس من شأنها الآن أن تجعل المدرس يلتفت إلى البناء التربوي مثلما يلتفت إلى البناء العلمي؟! أليس هناك مشاكل جمة في وسط الطلبة وفي وسط الجامعات على المسؤولين حلها بما ينسجم وثوابتنا العقائدية؟! هذه المشاكل التي بدأت تهدد الأسر من المسؤول عنها؟!
لابد من وجود تنسيق لا بد من وجود متابعة جادة للجوانب التربوية، العقلاء تعارفوا فيما بينهم أن ينظموا حياتهم بشكل يمنع أن يكون الشارع والمدرسة والمحل ملاذاً لسوء الأدب والتحلل والفساد، كل دول العالم هناك أنظمة خاصة بما يناسب خصوصيات المجتمع أنظمة خاصة للشوارع، أنظمة خاصة للمدارس والكليات، هذا حرم جامعي، هذه مدرسة إعدادية أو ابتدائية، وحتى هذه الأخيرة بدأ الآباء يعانون منها، وهم غير معذورين في الذهاب باكراً إلى الرزق والمجيء ليلاً وعدم الاكتراث والأولاد دون مراقبة، لابد من وجود وظيفة تجاه الأبناء ولابد من وجود رعاية أبوية حكومية صونية حيال الرعية.
هذا الموضوع على إجماله موضوع كارثي، موضوع يهددنا، موضوع في غاية الأهمية، لا يمكن للدولة أن تتهاون إزاءه، إمكانات الدولة قطعاً أكثر وآلياتها أفضل، التنسيق بين الأجهزة المختصة والدوائر المعنية لمتابعة هذا الأمر، هذه مسألة اجتماعية تنخر فينا، تؤذينا وتؤلمنا، لابد من وجود حلول حقيقية، أرجع وأقول أحمل الآباء والأمهات الاهتمام بأولادنا ومن ثم المسؤولين، أولادنا وشبابنا أمانة عندكم حافظوا عليها واهتموا بهم كما تهتمون بالأكل والشرب وباقي مستلزمات الحياة.
الإنسان عندما يعيش في مجتمع ما عليه أن يراعي معتقدات وتقاليد وطقوس ذلك الشعب وإلا عرض نفسه للمساءلة والتوبيخ وربما العقوبة والإهانة والسجن، ومادام يعيش في المجموع عليه أن يراعي حقوق المجموع ويمارس حرياته ضمن أطر حقوق المجموع، أما إذا أراد أن ينتهك حقوق الآخرين الشخصية والقيمية والقانونية فهو بذلك يمارس الديكتاتورية بعينها وهو يكابر إن صرح بأنه يمارس حريته!! كما أن له حرية فالآخرين لهم حرية مماثلة ومثلما لا يريد أحدا أن يخدش حريته لابد له أن لا يخدش بحرية الآخرين.
في المجتمع المسلم كل من يؤدي الواجبات ويقيم اعوجاج الحق ويدافع عن الفضيلة والتقى والأخلاق ينبغي أن يكرم وينظر إليه نظرة رحيمة ودودة، كما أن المرتكب للذنب والفحشاء ينبغي أن يردع ويعاقب ويشعر بالندامة والمضايقة سواء من قبل الناس أو المسؤولين، كل هذا يأتي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو واجب على كل مكلف، ومثل الذي يريد بث التحلل والتفسخ في المجتمع الإيماني كمثل القرية التي تشرب من ماء بئرها الصافي السلسبيل بكل لذة واطمئنان حتى إذا يجيء البعض ويعكر صفو ذلك الماء فمن حق أهل القرية توبيخه وانزال العقوبة التي يستحقها بساحته، لا أن يتهجم ذلك النفر الشاذ على أهل القرية وينعتهم بالتخلف والجهل، ومن حقي أن أعيش في مجتمع محافظ أنا وعائلتي ليترعرعوا في أجواء إيمانية صافية بعيدة عن كل المنغصات الشيطانية والمطبات السحيقة التي تهوي بالمغفلين إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
والغريب إن البعض يمارس الأجواء غير المنضبطة وغير اللائقة والمخالفة للذوق والأخلاق النبيلة حتى إذا ما خدشت الحياء العام وانتهكت قدسية مكان ما يعيش فيه بذريعة ممارسة الحرية، فأي حرية هذه التي لا تلتزم بالقيم والفضيلة والتكامل؟! والأدهى من ذلك تهجم هذا النفر الضال والمضل على أهل الغيرة والحمية والإيمان ونعتهم إياهم بالتخلف والرجعية والديكتاتورية!! ونحن ومن منطلق حرية إبداء الرأي نقول كما تعلمناه من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) فالإنسان بطبعه ميالا إلى الحرية والإنعتاق من الأغلال المادية والبشرية، وكما أن العبودية لله الواحد القهار تعني ما تعنيه الحرية المطلقة من كل القيود المادية، فإن الذي يعمل في تضاد مع أحكام السماء التي تضمن سعادة وكرامة الإنسان فهو يضحك على الذقون ويدعي الحرية وهو في إسار أهوائه ومصالحه الشخصية وشيطانه الذي يعتريه لا فرق بين شيطانه الداخلي وشياطين الجن والإنس الذين يوسوسون له باقتحام كل ما من شأنه الخدش بعفة وحياء الإنسان بذريعة التحرر، وهو بمثابة التحرر من الفضائل والإرتماس بأحضان الهوى وعبادة الذوات الطاغوتية التي تعبد من دون الله، وهو في حقيقة الأمر كالمستجير من الرمضاء في نظره بالنار.
https://telegram.me/buratha