علاء السلامي
حدثتنا امرأة عراقية مسنة ومهجرة منذ سنين في إحدى الدول الغربية بفعل سياسات النظام السابق عن ذكرياتها التي وصفتها بالجميلة قبل خمسين عاما في مدينة سامراء ( المدينة العراقية التي تضم أطيافا مختلفة من الشيعة والسنة) بلهجة ملؤها الدهشة الاستغراب للأوضاع الأمنية التي حصلت وتحصل في العراق ،"كنا في الدربونة عبارة عن أسرة واحدة لا نعرف من يكون السني ومن يكون الشيعي الجميع متحابين ،ليش هذا اللي صار في العراق!!!عبارة فيها الكثير من الحسرة والعجب .كلام حجيتنا العزيزة تزامن والإعمال الإجرامية التي شهدتها مناطق في بغداد الأسبوع الماضي والتي خلفت عشرات الأبرياء بين شهيد وجريح ومعوق على الرغم من الاستقرار الأمني النسبي الذي ساد العراق بعد الإحداث الدامية التي عصفت به بعد عام 2003نتيجة ما سمي بالعنف الطائفي بين مكونات الشعب العراقي الذي نفت حجيتنا وجوده بشدة قبل خمسين عاما ..أقول لحجيتنا الكريمة المستغربة وانطلاقا من المثل الشعبي القائل إذا عرف السبب بطل العجب انه منذ الوهلة الأولى لدخول الأمريكان إلى العراق بدأت بعض الدول وهي تشاهد بذهول سقوط حليفها الاستراتيجي الفاشستي الذي انذرهم فيما يبدو بحتمية نهايتهم المحتومة في حال نجاح المشروع العراقي وقيام دولة ديمقراطية أساسها صناديق الاقتراع وصوت الناخب باعتبار تربعهم على دفة الحكم لسنوات طويلة فمنهم من راجع حساباته مع أمريكا وأعاد علاقاته سريعا ومنهم من زرع الإرهاب في العراق مستغلا بذلك حدوده المفتوحة..فادخلوا أصحاب العقول المخدرة بشتى أنواع الحشيشة والمخدرات فراحوا ينفذون وبالتعاون مع البعض من أزلام النظام المقبور وبعض الجهات الأعمال الإرهابية هنا وهناك تحت حجج وذرائع شتى انكشفت سريعا واخذوا ينبشون عن أشياء أخرى لعلها تنفع فقاموا بتأجيج الفتنة الطائفية بين العراقيين التي كان يرعاها دائما صاحبهم ذو العقلية السايكوباثية،ونجحوا نوعا ما في ذلك بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام والأحداث المعروفة التي تلتها التي تؤكد أنها درست بإمعان بعد رسائل تحذيرية لحكومات تلك المنطقة انطلقت من جهات عدة كانت أحداها بعض وسائل الإعلام العربية لضرورة الانتباه الى خطر عاصفة التغيير العراقية على مستقبلهم السياسي الذي يخططون لان يكون متوارثا بعدما رأت أن شعوبها بدت متلهفة للتجربة العراقية ودخول القوات الأمريكية لتحررها من أنظمتها الشمولية ..ولعل الاستفتاء الذي أجرته إحدى القنوات الفضائية بعد عام 2003 في إحدى الدول العربية المجاورة والذي اظهر ان نسبة ثلاثة وسبعين بالمائة يؤيدون دخول القوات الأمريكية كان احد الأمثلة على ذلك..ولكن يبدو أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن لان التعددية القومية والدينية التي أرادت تلك الانظمة ان تستغله لتدمير العراق بعنوان الحرب الطائفية اثبت للكل انه احد العناوين البارزة التي تميز العراق ،لذلك فاللعب على تلك الأوتار أصبح خائبا وكان لابد من البحث على وسائل أخرى والتي يبدو ان احدها كان متوفرا وفي اليد الا وهي ديون صاحبهم الشوفيني نتيجة سياساته الرعناء ..
ان التمازج بين الأطياف العراقية قديم بقدم هذا البلد الذي يضم حضارات شتى أغنت البشرية على مر العصور ويتوقع له ان ينفض الغبار عنه من جديد ليمارس دوره الإقليمي الصحيح (خاصة مع ما يمتلكه من موقع جغرافي وسط سوق إقليمية يفوق تعداد سكانها 200 مليون نسمة، ولكونه يملك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، إضافة إلى توفر الأراضي الزراعية الخصبة والقوى البشرية الماهرة والمثقفة نسبيا) والذي حاول ان يغيبه النظام السابق والأنظمة التي كانت وما تزال تبكي على إطلاله على الرغم مما أصاب بعضها من أذى كبير لقاء سياساته الشمولية ،ولكن يبدو انها تمشي مع مبدأ أن بعض الشر أهون لأنها تعلم حجم العراق إذا عاد إلى وضعه الطبيعي والذي يبدو انه نتيجة حتمية رغم كل الظروف التي فرضت عليه لوجود عوامل ديموغرافية وطبوغرافية وتاريخية فضلا عن انه كان وما يزال يحفل بالقيادات الكاريزمية ..
فياحجيتنا العزيزة لا تقلقي على مستقبل بلدك العراق ،وهذا ليس كلاما او عبارات يراد بها تطمينك ولكنه واقع حال اذ لابد ان يستعيد العراق عافيته المفقودة منذ عقود من الزمن بسبب إصرار أبنائه على الحياة حتى الصغار منهم الذي عبرت عنه بوضوح الطفلة ذات الأشهر الستة التي رآها المسعفون بعد إحدى التفجيرات الإرهابية في منطقة الكاظمية المقدسة مبتسمة في حضن امها التي استشهدت جراء الحادث وابيها الذي اصيب إصابات بليغة وكان لسان حالها يقول سنبقى رغم أنوف البعض من القيادات المريضة والعقول الفاسدة التي تحكم بعض البلدان ..
https://telegram.me/buratha