الدكتور يوسف السعيدي
أكثر من تغنى بالوحدة، والأمة الواحدة هم العرب، حلموا بقطار يربط الجزائر العاصمة بمسقط، وبرؤية أسماك موريتانيا على موائد السودانيين، وقمح سورية في مخابز تونس،وتمور العراق ومنتجاته في اسواق العرب وزيتون دول البحر الأبيض المتوسط العربية على رفوف المحلات التجارية الغذائية، وأن تنشط الحركة بين الحدود بالبطاقة، وتندمج شركات الطيران، والبنوك، والشركات الزراعية، وتتوحد العملات، ونذهب بسياستنا الخارجية من خلال برلمان واحد، وقوة عسكرية واحدة، وفي كل صباح نرى اكتشافاً أو اختراعاً يضاف إلى اقتصادنا ومعارفنا وإبداعاتنا القومية، ونرى الهوية الواحدة بدلاً من المسمى القطري والإقليمي ونعترف أن العروبة جسدها الإسلام الذي صان أصحاب الأديان والقوميات، ويخرج من هذا الحزام الكبير أصحاب التصنيفات العرقية والمذهبية، وتختفي من قاموسنا تعريفات وأنشطة تتذرع بالتبعية لموقع جغرافي أو سلالة ما آسيوية أو أفريقية..هذه الأحلام مشروعة، لكنها مستحيلة التطبيق، لأن من يرى كيف تم الفصل بين الضفة والقطاع، وأوجد الحواجز بين مدن العراق ولبنان، وأغلق الحدود بين الجزائر وتونس، ويحاول تقسيم السودان، وتقطيع الصومال، لا يمكنه أن يراهن على التفكير بحلم يتحول إلى كوابيس، ومغالطات بالأصول والفروع على الأرض العربية، ومن ينتمون إلى هذا العرق، ومن أجبرهم الاستعمار الغربي على نزع هوياتهم وتغييب حضارتهم وتاريخهم ليعيدهم إلى منطقة الظلام وضباب المستقبل..
تصوروا الغرب ومن قرأ تاريخ حروب أوروبا، وكيف حدثت تطورات كادت أن تزيل معالم القارة العجوز، ثم من خلال سطوة الكنيسة ودماء الحروب، والثورات التاريخية، تخرج من الرماد إلى بناء حضارة عالمية تتوجها بوحدة كبرى لم تقم بقوة السلاح، ولا بطرق الضم، أو هيمنة عرق على آخر، وهم الذين لا تجمعهم بخصائص الوحدة إلا الجغرافيا، حتى أنه مع فاتحة2007 استطاعوا من خلال اتفاقية "شنجين" تسهيل مرور ولقاءات أربعمائة مليون إنسان هم أغلبية سكان القارة، وستلحق بهم جماعات ودول أخرى، أي أن ارتقاء ثقافة المجتمعات ومنظومة القوانين والحريات لم تعد تجعل من اللون والأصل، والجذور التاريخية أسباب إعاقة لهذا التجمع الكبير الذي يعد الأغنى والأقوى في عالم اليوم..
ثم ماذا لو دخلت دول آسيا الإعداد لنفس التجربة، وقادت القوى الثلاث الصين والهند واليابان وضع هذه الخطط، وصرنا نشهد نفس وحدة أكبر قارة في العالم، والتي قد تنضم إليها أستراليا ونيوزيلندا، ليتحقق نصف حلم من دعا لحكومة عالمية بدون أيدلوجيا شمولية وإنما بلقاء الإرادات الطوعية والتي وصلت عقول مفكريها إلى قمة النضج والشعور بالمصالح العليا..
المؤكد أننا الأمة الضائعة بين تلك الوحدات أو التكتلات، لأن مَن حملوا راية الدين الإسلامي، وكان تأثيرهم كبيراً على تاريخ الحضارة الإسلامية، عجزوا عن أن يوحدوا تقاويمهم بتحديد دخول رمضان والحج، وتوحيد مواقيت أذانهم وشهورهم، ويدعون لاستبدال لغتهم الأم بالعامية، أو مفردات لغات مندثرة، ومعهم من يقول بامتداده للبحرالأبيض المتوسط، والآخر للقارة الأفريقية، والثالث للهلال الخصيب الذي قدم أول أبجدية للعالم، ثم نقول ب "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة" ونحن بلا وحدة ولا رسالة!!
https://telegram.me/buratha