الدكتور جمال العلي
تأكيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان القوات الامريكية ستنسحب في الحال اذا ما فشل البرلمان العراقي في اقرار الاتفاق الذي يسمح لهم بالبقاء حتى عام 2011 ولا بديل لذلك يدفع المتابع لتطورات الأحداث على الساحة العراقية للتريث كثيرا خاصة ونحن نقترب يوما بعد آخر من موعد الأستفتاء الشعبي بخصوص "اتفاقية التعاون الأمني" الاميركية المفروضة على الشعب العراقي .
المالكي يعرف أكثر من غيره أن الأمر قد طوى صفحاته الأخيرة بخصوص "اقرار الاتفاق" من قبل البرلمان العراقي بعد كل التهديدات الاميركية والعربية التي طالت حتى رئيس الوزراء العراقي ذاته ، وأن كل من يخالف الأقرار على ذلك سيكون مآله القتل أو ابعاده من دائرة السلطة والنيابة خاصة ونحن نقترب أيضا من موعد الانتخابات البرلمانية العراقية الثانية وهو ما تلقاه العديد من النواب والمسؤولين العراقيين والبعض منهم قد قتل منذ اللحظة الأولى لطرح موضوع "الأتفاقية" المزعومة ليكون عبرة للمعترضين .
وفي خضم تمرير عملية الأقتراع في البرلمان العراقي على الأتفاقية يشهد المسرح العراقي تصعيدا كبيرا وعشوائيا للعمليات الأرهابية التي تطال أرواح المدنيين الأبرياء هنا وهناك بدعم عراقي وعربي اقليمي وبرعاية دول محور الشر والتحايل العربي (السعودية والاردن ومصر) وحتى الدول العربية المجاورة الاخرى التي طالما تمشدقت بمكافحتها للارهاب والارهابيين وزعمت أنها تسيطر على حدودها مع العراق للحؤول دون تسلل الارهابيين اليه .
الى جانب ذلك نرى أن القوات الاميركية التي تقف وقفة المتفرج على هذا التصعيد الارهابي وكأن أمر مكافحته والتصدي له لا يعود اليها بأعتبارها قوة محتلة وحسب المادة الثانية من اتفاقية جنيف التي تحمل قوات الاحتلال مسؤولية ضمان أمن واستقرار البلد الذي تحتله ، هي الاخرى تقدم على أعمال ارهابية تعود عليها الشارع العراقي منذ البداية ولكن بفارق واحد هذه المرة فبعد أن قامت بأرتكاب مجزرة الكوت ضد المدنيين العراقيين التي راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى يقوم الجنرال "ريتشارد فرانسي" قائد القوات الاميركية في قاعدة "الدلتا" العسكرية بتلك المحافظة بتقديم اعتذار رسمي ويعرب عن أسفه الشديد لذلك الاجراء الوحشي الذي يعتبر خرقا فاضحا للاتفاقية الامنية!.
ويؤكد المسؤولون العراقيون أن الحكومة العراقية قبلت هذا الاعتذار بعد أن شدد الجنرال "فرانسي" على التزام الجانب الاميركي بتطبيق بنود الاتفاقية الامنية والتنسيق مع قائد شرطة المحافظة وآمر اللواء 32 في الجيش العراقي.
وقد سعى الفريق الركن "علي غيدان" قائد القوات البرية العراقية وخلال حديثه للمراسلين بعد هذا الحادث الذي واجه ردود فعل شديدة من قبل المخلصين من ابناء العراق والشارع العراقي ، سعى جاهدا الى تلطيف الأجواء وأحتواء الأمر والاعلان عن قبول الحكومة العراقية هذا الاعتذار لطالما اعلن الجانب الميركي ألتزامه ببنود الاتفاقية المشؤومة والتي قال فيها : ان"الاتفاقية الامنية دخلت حيز التنفيذ وفق مرحلتين، الاولى ستكون عندها القطعات الاميركية خارج المدن والقصبات في 30 حزيران من العام 2009 الجاري والمرحلة الثانية هي جلاء القوات الاميركية من العراق في نهاية عام 2011".مضيفا ان "الحادث الذي اودى بحياة رجل وامرأة نعتبره خرقا من القوات الامريكية في محافظة واسط، وسيتم تجاوز هذه الخروقات في المراحل القادمة، وستتحمل القوات الاميركية المسؤولية في حال حصول أي خرق امني اخر". متجاهلا بذلك مطالبة رئيس الوزراء العراقي قيادة قوات الاحتلال بتسليم الجنود الى القضاء العراقي واطلاق سراح الأشخاص الذين تم اعتقالهم خلال عملية الدهم.
وبعد مرور أكثر من ست سنوات على احتلال العراق وإسقاط نظام الطاغية المعدوم "صدام" لايزال تسليح الجيش العراقي الجديد متواضعاً ويعتمد في معظمه على أسلحة خفيفة ومتوسطة، ربما فاقتها أسلحة الجماعات الارهابية المسلحة التي نشطت في العراق ، فهو لم يزل يعتمد على ماتركته القوات الأميركية من عربات "همر" مستعملة بعد ورود عربات أكثر تحصيناً أضافة إلى بنادق خفيفة ومتطورة بأموال العراق تم تزويد الفرقة القذرة وافراد قوات الاحتلال الاميركي بها بدلا من تسليح افراد الجيش العراقي الوطني بها وذلك طبقا للاتفاقية المزعومة ايضا.ناهيك عن أن وزيرة الخارجية الاميركية "هيلاري كلينتون" قد اطلقت يعض التهديدات المبطنة وخلال زيارتها المفاجئة إلى بغداد بداية الأسبوع الماضي ضد رئيس الوزراء نوري المالكي بعد ان وضعته أمام خيار الاستمرار في السلطة مع تفعيل المصالحة مع حزب البعث المجرم تحت يافطة المصالحة الوطنية ومشاركة اولئك الذين رفضهم الشارع العراقي في الحكم والموافقة على بقاء طويل الأمد للقوات الاميركية في العراق خلافا لما تنصه الاتفاقية الأمنية على "ان القوات الأميركية في العراق سيتم سحبها بموجب الاتفاقية بحلول عام 2011"، أو بين الاستغناء عنه في اطار سياسة تنوي حكومة "باراك أوباما" تنفيذها في المستقبل القريب في العراق ربما يكون عبر انقلاب عسكري وهو الأرجح.
هذا الأمر أقرب كثيرا الى الواقع بعد أن كشفت التقارير والوثائق الرسمية العراقية السرية عن اعداد مشروع خطير ينفذه وزير الدفاع العراقي "عبد القادر محمد جاسم العبيدي" في الخفاء ، ومنذ توليه حقيبة الوزارة وبأيعاز من السلطات الاميركية يتمثل بابعاد وطرد الضباط الشيعة الكبار والمخلصين للعراق وشعبه من وزارته ومن مهامهم العسكرية تحت ذريعة تعاونهم مع الكتل والاحزاب والمجموعات الشيعية.
وقد بدأ الوزير العبيدي بتنفيذ هذا المخطط المشؤوم وبشكل محموم منذ ستة شهور بصورة خفية وبخطوات وصفتها التقارير بـ"المحترزة والبطيئة ورافقته جملة قرارات في اجراء تنقلات لعدد كبير من الضباط الشيعة المخلصين والمؤمنين يزيد على 386 ضابطا حتى الان" ، حيث أن هذا المشروع الخطير يتم بإيعاز وتنسيق بين مسؤولين كبار في وزارة الدفاع العراقية من السنة وكبار قادة الجيش الاميركي خاصة المستشارين الاميركيين الذين مازالوا يشرفون على اعادة بناء وهيكلة وزارة الدفاع العراقية" .
هذا المشروع هو بالاساس مشروع قديم بدأ تنفيذه منذ مطلع عام 2006 ، لكن التطور الخطير في تنفيذه ، هو نجاح المخططين له والمشرفين عليه ، في اقناع رئيس الوزراء نوري المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ، في الموافقة على بعض هذه القرارات ، و هذا بحد ذاته يعتبر تطورا خطيرا حيث استغل وزير الدفاع العراقي هذه الموافقة ، ليوسع مساحة اسماء قائمة الضباط الشيعة ، ولينهي خدمات اكبر عدد ممكن منهم، مستغلا الموافقة كغطاء لتمرير هذا المشروع الخطير للبدء بضرب وجود الضباط الشيعة في وزارة الدفاع .
وقد قدمت احدى الكتل البرلمانية طلبا إلى هيئة رئاسة مجلس النواب العراقي لتشكيل لجنة تحقيقية بشأن بعض الإجراءات التي اتخذها وزير الدفاع والمتضمنة إنهاء خدمة 114 ضابطا ، رتبهم من رائد فما فوق ، وإحالة سبعة من كبار موظفي الوزارة على التقاعد" ، وذلك بعد ازدياد شكاوى الضباط الشيعة الذين شملتهم قرارات انهاء الخدمات والتنقلات التي تنفذ ضد الضباط العراقيين الشيعة في وقت يتم فيه اعادة آلاف البعثيين المجرمين الى وزارة الدفاع العراقية تحت يافطة "المصالحة الوطنية" منذ منتصف عام 2006 ، خاصة خلال الشهور الثلاثة الاخيرة ، بينهم اعداد من كبار ضباط الجيش السابقين المحسوبين على نظام البعث الدموي البائد حتى باتت وزارة الدفاع العراقية تشتمل حاليا على نسبة كبيرة من أيتام النظام البعثي المقبور .
اذا كيف نأتمن من يقتل ويسفك الدماء ويدعي ألتزامه بالاتفاق ، ونسعى جاهدين لاقناع نواب البرلمان العراقي عنوة وطواعية والشارع العراقي بأن الاتفاقية الأمنية المشؤومة ستكون أفضل وسيلة لانقاذ العراق وشعبه مما يعانيه من أرهاب ودمار وانعدام للأمن والأستقرار والعيش السليم والحفاظ على ديمقراطيته واستقلاله وحريته ؟
الدكتور جمال العلي
https://telegram.me/buratha