سيف الدين علي
لعل مدينة كربلاء المقدسة كانت لها الريادة في عدد وسائل الإعلام سواء أكانت مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة والتي بدأت عملها مباشرة من بعد سقوط الصنم ، وخير شاهد على ذلك هو افتتاح ثلفزيون كربلاء حيث كان أول قناة عراقية بدأت البث على المستوى المحلي ، مما دعا إلى الغبطة والاستبشار بعودة المدينة المقدسة إلى أخذ مكانتها الطبيعية من بين مدن العراق وربما العالم؛ كمنار ليس للعلم والثقافة وحسب..بل للإعلام أيضا،ناهيك عن انطلاق البث الإذاعي لأكثر من إذاعة ومحطة ، وتوالى بذات الوقت إصدار الصحف والمجلات والنشرات وغيرها ، ولا غرابة في ذلك كونها مدينة للثقافة والعلم والمعرفة، ولها تأريخها المعروف عبر الزمن حيث قادت حركة العلم والثقافة لحقب متطاولة من تاريخنا الحديث عبر مدارسها وحوزاتها ومنتدياتها ودواوينها ولا أدل على ذلك من فتح أول مطبعة فيها على مستوى العراق ، ويشهد لها في ذلك القاصي والداني ،
هذا من جهة ومن الجهة الأخرى وكرد فعل طبيعي لما تعرضت له من ظلم واضطهاد وقمع ومصادرة للحريات وتناصب مقصود وإقصاء للثقافة الحقيقية من قبل أعداء الإسلام والمسلمين والإنسانية ..بل وكل قيم الخير والنحبة والسلام ، كما لم تتعرض له مدينة أخرى سواها، لما تمثله أرضها المقدسة من خزين معرفي وقيمي وما تختزنه في ذاكرتها الجمعية من مصدر الهام وعزم وإباء لكثير من الثورات ليس على المستوى المحلى فقط .. بل على الصعيد العالمي نتيجة تشربها من فيض تضحيات الحسين وآل بيته وأصحابه المتمثلة بنهضته عليه السلام في ملحمة كربلاء الخالدة ، مما يعجز القلم عن الخوض فيها وتعيي الحيلة العقول عن الإحاطة التامة بمكنوناته ، ولنا في ذلك شواهد عديدة لا يسع المجال للدخول في تفاصيلها بعد أن تحولت قضية كربلاء إلى قضية إنسانية بعيدا عن الأطر الضيقة فهي تعني المسلم وغيره على حد سواء ،كما وإنها تخاطب عقل العربي والأعجمي بذات اللغة و ذات المدلول الشامل الذي تنضوي تحت يافطته البشرية جمعاء بغض النظرعن جنسهم وهويتهم ولونهم.
إن مثل هذا العطاء الزاخر لمدينة كربلاء المقدسة على المستوى الإعلامي يمثل تعبير حي عما يكتنزه ثراها المقدس من الطاقات الإبداعية ومن أصالة قيم الخير المحبة والسلام ،وبالتالي لا يمكن أن يأتي كل ذلك عن فراغ بقدر كونه إفراز الحيوية والرغبة الصادقة لدى نخبها المثقفة على إحداث تغيير جذري في بنى الثقافة العامة والرفض القاطع لما كان سائد من ثقافة الميوعة ودغدغة رغائب الجسد الوضيعة والاستهتار بقدسية المدينة ومكانتها من خلال الابتذال في الطرح بما يضرب بعرض الحائط بكل تلك القيم الأصيلة والمعطيات السامية التي تتميز بها كربلاء من دون بقاع الأرض قاطبة؛ لذا ينبغي للمتصدين للعمل الإعلامي فيها التحلي بالكثير من المعرفة لمتطلبات المرحلة وحساسيتها ،لا أن تطلع علينا بعض الإذاعات التي تدعي الثقافة وأقولها للأمانة في بعض فقراتها وليس ضمن توجها العام ، ولا يمكن لنا الجزم أيضاً بأنها مغرضة ، وان يكن هذا التصور يتبادر إلى ذهن كل منصف منذ الوهلة الأولى للاستماع إلى بعض برامجها البعيدة عن الذوق السليم خاصة حينما تبثها في جو المدينة القدسي المشبع بإيحات ذكرى فواجع ملحمة كربلاء الدموية ، وتخيم عليه أدق مفرداتها، مأساة آل بيت نبي الرحمة الأعظم بجراح الحسين وآله وأصحابه وسبي بناته، مما بكته السماوات والأرضين بدل الدمع دما ، بالاستغلال السلبي لأجواء الحرية المعمدة بدمه الطاهر والدماء الزاكيات للشهداء ، بإدعاءات الحداثة والتغيير والخروج عن النمطية والانغلاق السائدة والمسيطرة على وسائل إعلام المدينة المقدسة.
https://telegram.me/buratha