حميد الشاكر
مَن المستفيد من عدم اعلان الحرب على الفساد في العراق اليوم غير المفسدين ؟.ولماذا لانسمع او نرى او نقرأ حملة اعلامية كبيرة جداً رسمية حكومية وغير رسمية تتصدى بشكل علني لممتهني الفساد وناشري ثقافته وممارسي خباثته في عراق يحاول جاهدا ان ينهض من كبوته الكارثية التي حلّت عليه من خلال الارهاب والقتل والعنف والتدمير ؟.طبعا في العراق اليوم اقترن مصطلح الفساد بالجانب الاقتصادي لهذا البلد ، وهو عبارة عن صورة للاعتداء بشكل رئيسي على الاموال العامة او اموال الشعب الذي يحتجمها في الغالب بعض اصحاب النفوذ السياسي والاداري من خلال استغلال هذا النفوذ ليكون فسادهم مركبا وليس بسيطا ، الاول : لأعتداء الفاسدين على اموال الشعب من الفقراء والمعدمين ، والثاني : لاعتداء المنحرفين في استغلال النفوذ والسلطة وخيانة الامانة والثقة وغير وذالك من انحرافات اخلاقية واخرى تربوية وروحية وسلوكية !.والحقيقة ان الغريب في ظاهرة الفساد في العراق هي ليس وجودها ، او انتشار ثقافتها بعمق وخاصة بين طبقات النهب السياسية والادارية لطبقة موظفي الدولة ، فهذه ظاهرة كما هي اليوم في العراق هي كذالك في اماكن كثيرة من هذا العالم ، وهي كذالك ظاهرة بشرية تاريخية وحاضرة ومستقبلية ايضا وليس من المتوقع انها سوف ترفع من الخدمة مادام الانسان يعيش على هذه الارض بهذه الطبائع البشرية الضعيفة والقابلة للانحراف ، لكن الغريب العجيب هو في عدم التصدي لها بكل قوّة ، وبكل ماتعنيه كلمة قوّة من عنف ومن تشهير ومن محاصرة .... الى الوصول مع الفساد الى مرحلة اعلان الحرب عليه وكسر العظم الاخير فيه ، لان الفساد وخاصة منه الاقتصادي لايقتصر تاثيره على الجانب الخدمي للجمهور فحسب ، بل انه وفي حقيقته وكما يعبر عنه القرءان الكريم (فساد في الارض) ، وخصوصا منه الفساد المتوّلي لأمر الناس والقائم على ادارتهم والمتمثل في موظفي الدولة من الساسة واهل الادارة ، ففي هذه الحالة يكون الفساد مميتا وقاتلا للامة بأكملها اخلاقيا ونفسيا وسياسيا واقتصاديا وعقديا دينيا ايضا ، باعتبار ان اهل الولاية يشكلون مرآة المجتمع وقدوته في جميع جوانب الحياة الانسانية والاجتماعية ، وكون انهم حفنة من الفاسدين فهذا سيفضي حتما الى موت ضمير الامة الاخلاقي قبل جوع بطونها وفساد نظرتها ايضا واستهتارها بكل القيم الاجتماعية الدينية والسياسية والاقتصادية وغير ذالك ، ولهذا قيل اسلاميا قرءانيا ( ان خير من استأجرت القوّي الامين ) ، من منطلق ان الامانة ومعها القدرة على القيام بالواجب من اهم صفات المتوّلى للادارة المالية وكذا السياسية ، أمّاغير ذالك فيعني هو دافع للمجتمع يدفعهم دفعا الى الاعتقاد والرؤية ان للفساد وجوه اخرى غير وجهه القبيح مادام اهل الولاية هم اول من يمتهن العمل به بلا ضمير رادع ، ويحاولون ممارسته بطرق عديدة ومتنوعة بلا سلطة تحاسب ولاقانون يردع ولا سلطان يعاقب !. نعم يبدو انه لعدم وجود عقاب حازم وصارم وعدالة في تطبيق القوانين على اصحاب النفوذ والسلطة قبل عوام الشعب وفقراءه ، هو ما اغرى الفاسدين اكثر فاكثر في عراق اليوم الى امتهان وظيفة الفساد في الدولة بدلا من خدمة المجتمع والامانة على اموالهم واخلاقهم وبطونهم وعقولهم ، وبدلا من ان تخجل عملية الفساد وتتوارى عن الانظار خوفا في عملها الفاسد ، اصبحت ظاهرة الفسّاد في العراق ومع الاسف تشكل محورا لمصطلحات جديدة اكثر فسادا من الفساد نفسه مثل مصطلح (الشطارة) الذي يرى من خلاله الفاسدون ويبرروا فسادهم بانه عمل يمتاز به المغامرون والشطّار واصحاب فن السرقة بلا عقاب ، والثراء السريع والانتقال من حالات العدم واللاقيمة الى طبقات التجار والرأسماليين في المجتمع !.ولك اخيرا ان تتصور مجتمعا تنتشر فيه رذيلة الفساد واستغلال النفوذ وخيانة الثقة والاستهزاء بالامانة .... على اساس انها حكمة وشطّارة وتدبير وذكاء وفطنة .... كيف ستكون حالته الاخلاقية والمعنوية والدينية والثقافية وغير وذالك ، وكيف لحكومة وقانون يريد ان يدير المجتمع وينظم من حياته ويحمي اخلاقياته ومعنوياته مع مثل هذه الثقافة الفاسدة عن الفساد والمفسدين في داخله ؟!.ان الردع والعقاب المناسب الذي ينبغي ان يجابه به هذا الوباء الاخلاقي المميت في العراق اليوم يجب ان يكون ايضا (مدروسا وقاسيا ومؤثرا بقوّة ) كي يأتي بثماره الجيدة في ردع ظاهرة الفساد والمفسدين في دوائر الدولة وتجار السياسة ومنحرفي الوظائف العامة التي يبدو ان شهادات الجامعات التي يحملونها ومصطلحات التكنوقراط التي يتباهون بها لم تستطع ان تعطي للفاسدين اخلاقيات الامانة والصدق في العمل ، ولهذا نقول انه لايكفي ان يوقع العقاب القانوني فحسب كآلية لردع ظاهرة الفساد والمفسدين وقمعها عن الانتشار الثقافي في مجتمعنا العراقي ، ولكن مضافا للردع القانوني وفي حالة كحالتنا الاجتماعية العراقية العشائرية يكون التشهير بالفاسدين من خلال تحريك سلطة اسم العشيرة وقانونها الصارم ايضا من ضمن ادوات الردع القانونية والاخلاقية للفاسدين في هذا المضمار ، وكما هو معلوم في بعض المجتمعات القبلية العشائرية يكون خوف الفرد الفاسد على اسم القبيلة وسمعتها لما تمثله العشيرة في حياة افرادها من رعب اسري ، يكون مثل هذا العامل اشدّ ردعا بكثير لمفسد لو اتيت بجميع قوانين العالم الحضارية واوصلت عقوباتها لحد الاعدام فانه ليس في وارد الخشية منها بقدر خشيته من سلطة العشيرة واسمها الذي يحاول عدم المساس به او التعرض له بسوء ان حاول سرقة المال العام ونسبت هذه الفعلة ليس له فحسب بل لاسم قبيلته التي يعبدها الانسان العراقي بشكل مقدس كأحد ادوات الردع الاخلاقية لهذا الفاسد او ذاك !.نعم لنعلن الحرب على الفساد والفاسدين في عراق اليوم وبكل طريقة تضمن ردع الفاسدين عن التمادي بفسادهم وتدمير المجتمع بخبثهم ، ولندرس بعمق مواد الردع القانونية المناسبة للانسان الفاسد في العراق ، ولتكون لدينا دراسات في مكافحة الجريمة الاقتصادية ليس على اساسها القانوني الجاف لاغير ، بل وكذالك في جوانبها النفسية والاخلاقية والدينية كذالك ، ولاننسى مطلقا دور الاعلام الرسمي الحكومي بالتحديد فعليه ان يقوم بواجبه ويعلن الحرب الاعلامية الواضحة على الفساد والمفسدين وليشهر بهم وليحاكمهم محاكمات علنية ليرتدع من تسوّل له نفسه انتهاج نفس الطريق في الفساد وتدمير المجتمع ، ولاينبغي على المجتمع او سلطة الحكم التنفيذية ان تأخذهم لومة لائم في قضية فضح الفساد والفاسدين ، فمثل هذه الخشية من قبل المجتمع والحكومة والدولة ووسائل الاعلام الشريفة تعتبر تواطئا مع الفساد والمفسدين واغراء لعصابتهم بالازدياد ولنفوسهم المريضة بالاشتداد والقوّة !.بل على وسائل الاعلام بالتحديد ان لاتعتقد مطلقا ان السكوت على الفساد والمفسدين ، وكشف اسمائهم وتمييز شخوصهم هو في صالح احد في المجتمع او الدولة او الحكم او الوجود ، بل هو فناء عاجل ، لابل ان الفساد اكثر فتكاً من اي وباء مرضي سريع الانتشار اذا لم يعالج بحزم وقوّة وحكمة ودراية وتطلّع لمستقبل نظيف وامة تمتاز بالاخلاقية والخوف من الله سبحانه اولا ، فسوف نصل الى اليوم الذي يكفر فيه الانسان العراقي بكل قيمة اخلاقية تدعوه للامانة والعفة والثقة ولاتحافظ على رغيفه من السرقة والفساد والمفسدين المتخمين !.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha