كرار الياسري
الاتهامات التي وجهها النائب العام المصري لـــ 49 متهما (40 من مصر ،7 من لبنان ، 2 من فلسطين ) بالانضمام والترويج لحزب الله اللبناني والسعي الى نشر الفكر الشيعي في مصر والاعداد للقيام بتفجيرات و أعمال ارهابية في مصر ينظر اليه على اعتباره حلقة جديدة من مسلسل الخلاف المستمر بين مصر وايران حيث لم تشهد العلاقات المصرية الايرانية اي تحسن طيلة السنوات الثلاثين الماضية عندما استضاف الرئيس المصري السابق انور السادات شاه ايران محمد رضا بهلوي الذي اطاحت به الثورة الاسلامية عام 1979 وردت ايران بأطلاق اسم خالد الاسلامبولي احد ابرز القائمين بعملية اغتيال الرئيس السادات على احد اكبر شوارع العاصمة الايرانية ، فهل ان القضية بهذا الحجم الكبير ام ان الحكومة المصرية تعمدت تضخيمها للضغط على حزب الله للكف عن انتقاداته القوية والمستمرة للموقف المصري من العدوان الاسرائيلي على غزة اواخر العام الماضي واوائل العام الحالي والتي ساهمت في شكل كبير في تأليب الشارع العربي ضد النظام في مصر الذي خرج في عدد من المدن العربية للتنديد بموقف الاخ الاكبر من العدوان الاسرائيلي . ام انه جزء من الخطة الامريكية في محاصرة طهران والضغط عليها والتهديد بضربها بأعتبارها من البلدان التي تهدد امن واستقرار منطقة الشرق الاوسط المهمة للغاية بالنسبة لامريكا في حال امتلاكها للسلاح النووي حيث تلعب اسرائيل ومصر والسعودية ودول عربية اخرى ادوارا متفاوتة الاهمية في هذا المجال وهذه الخطة هي التي اشارت اليها وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مؤخرا حين دعت اسرائيل الى عدم التفريط بالدعم العربي ضد ايران في حال تعنتها في مفاوضات السلام . او لعله يأتي في اطار المواجهة التي تمولها السعودية للوقوف بوجه مايسمى بالمد الشيعي والتخوف من اكتساحه للبلدان العربية (السنية ) ، او لعل مصر استشعرت تراجع دورها في منطقة الشرق الاوسط مقابل دور اكبر لايران ومحاولة تعزيز دورها بتحقيق نصر معنوي في مواجهتها مع حزب الله واستباق اي محادثات بين ايران وامريكا قد تعمق من تراجعها ،او ربما ان صمود مقاتلي حزب الله (40)يوما في وجه الالة الحربية الاسرائيلية يذكر اكبر دولة عربية بحرب الايام الستة التي خسرت فيها الارض والانسان والكرامة . فهل صحيح ان حزب الله يحتاج الى القيام بعمليات تثقيف ايديولوجي لنشر افكاره والمذهب الشيعي الموجود اصلا في مصر قبل اكثر من 1000 سنة حيث يعتقد الكثير ان التشييع دخل الى مصر مع الفاطميين لكن الحقيقة ان التشيع كان معروفا في مصر قبل الفاطميين وبقي الشيعة في مصر الى ان اخرجوا منها عام 236 هـ عندما امر المتوكل العباسي بأخراج ال ابي طالب من مصر الى العراق وتخفى الكثير من مناصريهم عن اعين السلطة ثم شدد عليهم المستنصر ومنع العلوي من ان يركب فرسا او يسافر من الفسطاط الى اي مكان ومنعوا من اتخاذ العبيد واذا كان لاي احد خصومة ضد الطالبيين قبل قوله ولم يطالب ببينة وقام المستعين بتهجير الشيعة من مصر وغيرها من السياسات العباسية ضد شيعة مصر للقضاء على الوجود الشيعي حتى وصل الامر لنفي القيادات والعناصر المهمة لعزل الجماهير ومحاولة احتوائها .
الدولة الفاطميية التي قامت على الارض المصرية لم توجه اي ضغوط للمسلمين السنة لاجبارهم عن التخلي عن مذهبهم ومن دخل منهم بمذهب اهل البيت فعن تفكير وتدبروقناعة واستفادت مصر في العهد الفاطمي استفادة كبرى في شتى المجالات حيث يشكل الجامع الازهر علامة بارزة على النهضة الواسعة التي شهدتها الحياة الفكرية والادبية كما ازدهرت علوم الفلك والطب والرياضيات والفلسفة وازدهر الشعر وغدت مصر مركز التحكم والتوجيه وتحولت القاهرة الى عاصمة للعالم الاسلامي ومنارة العلم وقبلة المتعلمين بفضل الفاطميين الشيعة .ويبلغ عدد الشيعة في مصر750الف وفق تقديرات تقرير الحالة الدينية في وزارة الخارجية الامريكية لكن الشيعة المصريين يقولون ان العدد اكبر من ذلك بكثير اذا اخذنا بنظر الاعتبار فصيل الاشراف الجعفرية و الضغوط الامنية التي تدفع الكثير الى عدم اعلان تشيعهم .
ان الحملة التي تشنها الحكومة المصرية للتحذير من خطورة حزب الله وافكاره في المدن والقرى المصرية لمنع اي تعاطف معه ليست بجديدة وفشلت في هذه المرة كما في سابقاتها وثبت الارتداد العكسي لها حيث موجات التعاطف من صحف المعارضة والصحف المستقلة ،ودخلت المؤسسة الدينية على الخط في التحذير من مخاطر المد الشيعي وهي النقطة الجوهرية في الحملة التي شنتها الحكومة المصرية وغلفتها بأتهامات اخرى من قبيل تهديد امن وسلامة واستقرار مصر حين امر وزير الاوقاف بأعداد خطط لمحاصرة اي فكر قريب من حزب الله والعمل على مواجهة معتنقي المذهب الشيعي في حرب واضحة ضد اكثر من مليون مواطن مصري على اقل التقديرات واستعانت الاوقاف بالاجهزة الامنية لرقابة اي مروج للفكر الشيعي وعدم السماح للخطباء من خارج المذهب السنية من اعتلاء منصة الخطابة في المساجد في تقييد سافر للحريات الدينية ومحاربة للافكار التي لاتتماشى مع رغبات وسياسات الحاكم في عملية حجر فكر الانسان وعقله في ان يختار مايراه الاصوب لدينه ودنياه . وسبق للحكومة المصرية القيام بالعديد من عمليات الاعتقال والتضييق على محبي اهل البيت (ع ) كما رفضت السلطات المصرية فتح الاماكن المقدسة امام السائحين الايرانيين ورأت في ذلك تهديد للامن القومي في ظل الوجود المتنامي للتيار الشيعي في مصر وضيعت مبالغ كبيرة من عائد تلك الزيارات التي هي بأمس الحاجة اليها ،الاتهامات الاخيرة ليست جديدة حيث سبق لوكيل المؤسسين لحزب الاصلاح الاسلامي جمال سلطان ان اكد قبل عدة سنوات على وجود تمويل من قبل مؤسسات وشخصيات كويتية للمد الشيعي في مصر وفي عام 1996 القي القبض على الشيخ حسن شحاتة واتبعته بـــ55ممن وصفتهم سلطات الامن بقيادات التنظيم الشيعي وفي عام 1998 القي القبض على 20 شخص بتهمة تأسيس تنظيم شيعي مصري وفي عام 2002 القي القبض على ثلاثة اشخاص احدهم قبطي بتهمة الانتماء لتنظيم شيعي وطبع كتب شيعية وفي عام 2004 القي القبض على محمد الدريني الامين العام للمجلس الاعلى لرعاية اهل البيت المصنف الاول كخطر فوق العادة والذي اكد وجود لجنة لمكافحة التشيع ترأسها مصر وتمولها السعودية وفي عام 2006 الغت السلطات المصرية احتفال الشيعة بذكرى مولد الامام علي (ع)في سيناء والذي تزامن مع الحرب بين حزب الله واسرائيل وأيد د.راسم احمد النفيس( شيعي مصري من مواليد المنصورة عام 1952 يعمل استاذ مساعد في جامعة المنصورة ) اقوال الدريني حول الحلف الاقليمي لمواجهة الشيعة ويقول د . النفيس (ان الفكر الشيعي هو فكر اسلامي وليس فكر حزب واعتبار هذا الاتهام هو اساءة لكل المسلمين الذين ينتمون الى مدرسة اهل البيت الفقهية كما هو اساءة لكل المسلمين الاخرين الذين وضعوا في ظل هذا المنطق في موضع الغير مقتنع بما هو عليه من فكر ديني ).لقد شاهدت صور الامين العام لحزب الله ملصقة على الكثير من السيارات التي تجوب شوارع القاهرة اثناء فترة الحرب وظهرت الكثير من الشعارات التي تتغنى ببطولات المقاومة وعنوان مقالتنا واحد من تلك الشعارات التي رددتها الحناجر وتهافت المصريين على اقتناء الكتب التي تتحدث عن السيد حسن نصر الله ونشرت احدى الصحف في القاهرة ملحق من 16 صفحة تتحدث فيه عما سمته سيد المقاومة الذي اعاد للامة كرامتها ولاانسى تلك السيدة التي دخلت مكتبة مدبولي احد اشهر المكتبات العربية اثناء تواجدنا فيها وما ان وقع بصرها على غلاف احد الكتب الذي شغلت صورة نصر الله المساحة الاكبر فيه حتى قالت وبأبتسامة تعلو وجهها وبكل فخر (الله هو في كتب عن حبيبنا السيد )وعندما استشعرت الحكومة الحرج من تصاعد شعبية حزب الله وزعيمه لجأت اجهزة الدولة الى حيلها الامنية المعهودة واثارت الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة من خلال توجيهات وزارة الاوقاف لائمة المساجد بأن تدور خطبة الجمعة حول تكفير الشيعة والتركيز على مذهبها العقائدي المتشدد من اهل السنة ومن الرسول صلى الله عليه واله وسلم ولاقت تلك التوجهات استنكارا واسعا من الائمة الذين لم يستجيبوا لها وجرت مظاهرات داخل المساجد وخارجها حينما وصف بعض وعاظ السلاطين في بور سعيد حزب الله بالاعداء لانهم من الشيعة واطلق اخر على نصر الله (الكافر نصر اللات ) ودعا في نهاية خطبته على حزب الله واليهود ورفض المصلون التصديق وراءه وفشل ثالث في اقناع المصلين بما اريد له من التجني على مذهب اهل البيت وبعد نقاشات مع المصلين صرخ الرجل وسطهم قائلا :انها تعليمات الحكومة واسكتوا بقى .هذه نماذج من الحرب التي تشنها مصر الحكومة لا الشعب على الشيعة يشم من ورائها الرائحة القذرة للاموال الوهابية .
قيل للامين العام لحزب الله قبل سنوات ان حزبه ايراني فأجاب الرجل :لنكن واضحين ونحكي الحقائق الفكر الذي ينتمي اليه حزب الله هو الفكر الاسلامي وهذا الفكر لم ]يأت من موسكو ايام الشيوعية ولا من لندن او باريس اذن نحن لم نستورد فكرا واذا كان من يقول ان الفكر ايراني اقول ان هذه مغالطة لان الفكر في ايران هو الفكر الاسلامي الذي اخذه المسلمون الى ايران وحتى هذا الفكر خاص بعلماء جبل عامل ،اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثيرالكبير في ايران على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة اين هو الاستيراد هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداوه لبنانيون .
لقد اصبح الرجل يمثل عقدة وموضع حسد للكثير من الحكام العرب الذين تعودوا على الفوز بنسبة 99,99%في الانتخابات وقالت عنه صحيفة ناشيونال بوست الكندية (حسن نصر الله اصبح الاكثر شهرة عند العرب وقادرا على جمع الالوف وراءه )وشعبية نصرالله في مصر واضحة بحيث لايحتاج معها الى مؤامرات ودسائس وفي هذا السياق تقول صحيفة الواشنطن بوست الامريكية (نصرالله اصبح بطلا عند العرب وقد ولد اكثر من 120 طفلا في مدينة الاسكندرية وكلهم حملوا اسم نصر الله ) طبعا هذا في شهر واحد فقط . ختاما اضع بين يديك عزيزي القاريء ماقاله الباحث والمحلل السياسي د . حسن نافعة استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في معرض رده على سؤال حول تطوع مصر وبعض الدول العربية في القاء اللوم على حزب الله في حرب 2006حيث قال ) انا شخصيا اربط هذا بالاستراتيجية الامريكية التي بدأت منذ فترة طويلة بالسعي لايجاد تكتل سني في مقابل التكتل الشيعي لمواجهة ايران وفي واقع الامر لوتأملنا التصريحات السابقة التي ادلى بها اولا الملك عبد الله في الاردن ثم وزير الخارجية السعودي ثم الرئيس مبارك سنجد ان هناك تنسيقا يجري حول هذه القضية) واضاف ( يجب ان نستدعي هذه التصريحات ونربطها بما حدث بعد اندلاع الحرب لكي نفهم ان هذه الحرب جاءت وفق استراتيجية اوخطة واضحة اولا لضرب حزب الله وتدمير بنيته العسكرية ثم اضعافه سياسيا وبالتالي اخراجه من المعادلة وبداية تشكيل جبهة لمواجهة ايران والضغط عليها اذا قررت الولايات المتحدة الامريكية ضرب ايران في هذا السياق كانت تجري محاولات لتخويف سوريا او على الاقل محاولة اغرائها بعدم الاستمرار في تحالفها مع ايران اذن هي حرب شاملة ومرتبة )اذن مصر هي رأس الحربة التي تستخدمها امريكا واسرائيل في محاولاتها لاخضاع العرب والمسلمين .فهل نحتاج بعد هذا الى تفسير للحملة المصرية الاخيرة .
https://telegram.me/buratha