المقالات

الأزمـات ليست شـرا محضاً...!!


الدكتور علي بابان وزير التخطيط العراقي

الأمم الحية التي تتسم بالوعي والذكاء والإرادة الصلبة لا تحني رؤوسها للعواصف.. ولا تستسلم للأزمات والعاديات ولكنها تواجهها بشجاعة وتعكس مسارها وتحولها إلى نقطة إنطلاق جديدة... ومراجعة شاملة... تقتنص الفرص من خلالها.. وتبحث عن مساحات الضوء في ظلماتها.. ونظرة واحدة إلى تاريخ تلك الأمم يثبت صحة ما نقول ويؤكد قدرتها على تجاوز أزماتها.. والتجدد والإنبعاث.

الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة والتي تعصف بمعظم دول العالم اليوم يتم التعامل معها في تلك الدول بطريقة منهجية تثير الإعجاب إذ يجري الإفادة من نواتجها العرضية التي (تعتبر طبقاً لحساباتهم) نتائج مرغوباً بها، كما تجري عملية مراجعة لنظمهم الإقتصادية بشكل شامل وللتعرف على جوانب القصور والخلل فيها والتي قادت إلى الأزمة كما تجري عملية محاصرة الأزمة والتخفيف من آثارها... في ميدان الطاقة يحدث تحول درامي بأتجاه الطاقة النظيفة والمتجددة على الرغم من الأسعار المتدنية للنفط... وتوضع القواعد الجديدة التي تنظم عمل المصارف والمؤسسات المالية.. ويجري الحديث عن رأسمالية تجدد نفسها وتغير شكلها وربما مضمونها.نحن في العراق جديرون بالسلوك ذاته.. مع الأختلاف في الظروف والتفاصيل والدوافع, فلقد واجهنا الأزمة كذلك ولكن بشكل مختلف ولقد فتحت تلك الأزمة أعيننا على عيوب خطيرة في بنية إقتصادنا.. وسلطت الضوء على إختلال هيكلي صارخ في تركيبته... إختلال إرتهنا فيه لإيرادات النفط ونمنا على وسادته الوثيرة في الوقت الذي تراجعت فيه حصص القطاعات الإنتاجية الأخرى وأضمحل دورها وتأثيرها بشكل بتنا نستورد فيه كل شيء تقريباً من لقمة الغذاء إلى علبة الدواء...

لقد نبهتنا الأزمة إلى إنكشاف كبير في الإقتصاد العراقي يحمل أخطاراً عظيمة على مستقبل العراقيين على هذه الأرض وبصورة لا يمكن معها لأي قيادة تحس بالمسؤولية تجاه شعبها ومواطنيها أن تغض الطرف عنه.إذا أردنا أن نتعامل مع أزمة إنخفاض أسعار النفط تعاملاً عقلانياً.. واعياً فلابد أن يكون ذلك بداية لتشخيص الأزمة... وتبني وصفة العلاج بلا تردد, فلا يعقل مطلقاً أن تغادرنا الأزمة لنعود إلى الحالة التي كنا عليها.. إعتماد كلي على النفط وإرتهان مطلق لعائداته وتقلباتها لقد أثبتت إستراتيجية الإعتماد على النفط فشلها... وخطأها.. ليس على الصعيد الإقتصادي فحسب ولكن على الصُعُد كافة, فعلى المستوى الإجتماعي وسعت من قاعدة البطالة وأضافت لها مئات الآلاف من العاطلين بسبب تراجع القطاعات الإنتاجية الأخرى. وعلى الصعيد السياسي والأمني فقد الإستقلال الوطني مضمونه ومعناه فلا يمكن أن نتقبل فكرة أن أمة تستورد كل غذائها من الخارج هي أمة مستقلة حقاً... وبالإرتهان للنفط وعائداته تراجعت قيمة العمل والإنتاج في مجتمعنا الذي صار إستهلاكياً.. متواكلاً.. يعتاش على ما تقدمه الدولة له من غير كدح ولا إنتاج...

ليست القطاعات الإنتاجية وحدها التي تراجعت في المجتمع الريعي المعتمد على النفط ولكن قيماً عديدة اضمحلت بدورها في ذلك المجتمع الذي لا يعتبر الإنتاج ضمن أعلى وأرفع قيمه... هذه ألمحنه التي فرضتها علينا أسعار النفط المتراجعة يمكن لها أن تتحول إلى منحة..  وهذا الإنخساف في الموارد والعائدات نستطيع إستثماره وتحويله إلى فرصة إذا استطعنا عكس مسارات الإقتصاد العراقي في الأتجاه الصحيح...الأزمة الحالية ينظر إليها اليوم في دول العالم على أنها حافز... ودافع للمراجعة والتقويم...... وينبغي لها أن تكون كذلك عندنا أيضاً... إنها لم تعد عندهم شراً محضاً وينبغي أن تكون عندنا كذلك...وإذا كان القوم يحسون بأهمية المراجعة لأقتصادهم فحاجتنا لها أضعاف ما عندهم..وفي آخر المطاف... الأمم الحية وحدها هي التي تستطيع ذلك بنجاح.. والعراق يندرج ضمن هذا الوصف وتاريخه القديم والحديث يثبت قدرة إستثنائية على تجاوز المحن والإبحار عبر عواصفها إلى شواطئ الأمان.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو الحسن الخاقاني
2009-04-28
شكرا للاخ الوزير ----خطوه في الطريق الصحيح
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك