( بقلم : عدنان الغزال )
لاشك ان الجميع يتفق على ان الاحداث التي أعقبت مرحلة الاطاحة بالنظام السابق كانت عبارة عن فلم اكشن امريكي تسارعت فيه الاحداث والمفاجاءات بحيث ان الحدث لايلبث ان تهضمه الذاكرة حتى يعصف بك حدث اخر . حالات التخبط والفوضوية واللامعقولية كانت السمات البارزة لتلك المرحلة . حتى اكثر الناس تفاؤلا لم يكن قادر على التنبؤ ببما سيحمله الغد . تلك الكوميديا السوداء الحبلى بالمتغيرات انسحبت على كل مفاصل الحياة بلا استثناء ولم تكن حالة حصرية على الحياة السياسية .لم يكن العراق يوما بالنسبة لنا مجرد عنوان في شهادة الميلاد او بطاقة الاحوال الشخصيه بل هو هاجسا ووجعا وحلما وعشقا وادمانا وموالا ونبضا في العروق، هذا الشغف والوله لم يكن لتهدئه نشرات الاخبار العابره فكنا نراقب محطات التلفزه ونبحث عن كل ما يعني العراق في صفحات الانترنيت ونهاتف بعضنا ونلتقي نتشاطر الاخبار ، نتحاور ونختلف ونتشاجر ونحلم ونسهد .
في احد الاتصالات الهاتفيه التقليديه مع اقاربي ابلغت بان احد اقاربي قد تم تعيينه برتبة نقيب . شككت بالامر في البدء الا ان الخبر اكدته اكثر من جهة ذات صله . اثارني الامر وترك في نفسي غصة لأني لم ارتضي لهذه المؤسسة ان يتم اختراقها بهذه الطريقة حتى وان كان المنتفع من الامر قريبي الحميم المعني بالحديث . حسب معرفتي بالرجل انه لم يكن يمتلك أي مؤهل اكاديمي او عسكري يؤهله لتولي هذه الرتبة الحساسة وكل مؤهلات اقاربي ماكانت تعدو انه تسرب عن الالتحاق في الخدمة العسكريه في زمن النظام السابق وشارك بألأنتفاضة الشعبانيه وامضى السنين المتبقيه بين ايران واقليم كردستان والعراق . اثارني الامر لبضعة اشهر ولم اجد له تفسيرا سوى الاعتقاد بأن الرجل استغل حالة الفلتان والفوضى وانتهز الامر لصالحه اسوة بالكثير من المنتفعين والانتهازين . لم يدم الامر طويلا حتى صرنا نسمع بمصطلحات جديدة تضاف الى قاموس اللغة العراقية الدارجة مثل العلاسه والقفاصه وصكه والحواسم وضباط الدمج .
استوقفني الامر طويلا مع مفردة ضباط الدمج وماتنطوي عليه هذه المفردة من خطورة وتبعات كبيره وانعكاسات على الحياة المستقبليه لهذا البلد المستباح . اتضح ان الامر بأختصار هو توظيف الاخوه المحسوبين على بعض الاحزاب المنضويه في العمليه السياسيه بصفة ظباط كبار في قوى الجيش والشرطة والمؤسسات الامنيه الاخرى .قد يبرر البعض ان هذه الخطوه جاءت لخلق حالة من الموازنه الى هيكلية الجيش العراقي والتي اختلت بسبب سياسة النظام السابق الطائقيه والتي جيرت لحساب طائفة بعينها . او قد يرى البعض انها ضرورة لأنصاف الاخوة المجاهدين وشيء لايذكر مقارنة بالتضحيات التي قدمها بعض هؤلاء من الاخوة المجاهدين .
انا لااريد لاسامح الله ان اسفه اهمية المسوغات اعلاه أو أقلل من اهمية وحجم تلك التضحيات التي لاتقدر بثمن ولكن وحسب اعتقادي ان المؤسسة العسكرية مؤسسة بالغة الاهميه والحساسيه تتولى مسؤولية امن البلد الداخلي والخارجي وتساهم في البناء والتعامل مع الازمات الانسانية والكوارث الطبيعية وينبغي ان تبنى على اسس علميه ومهنية وحرفيه عاليه انتماءها الاول والاخير للوطن بعيدا عن الولاءات الضيقه .معاذ الله ان احمل أي حسد او استكثر على أي من الاخوة سواء الذين لديهم جهاد او تضحية تؤهلهم لتبؤ مثل هذه المناصب اوحتى تجاه أؤلئك الطارئين الا ان الامر الذي يقتضي ان نتوقف حياله ان الضباط وحسب معلوماتنا المتواضعه ينبغي عليهم اولا ان يكونو حاصلين على شهادة الدراسه الثانويه ليتسنى لهم دخول الكليه العسكريه و لمدة اربع سنوات ليحصلو على رتبة ملازم وبكلوريوس في العلوم العسكريه اما درجة الركن فتتطلب الدخول الى كلية الاركان والحصول على ماجستير في العلوم العسكريه ، أي ان الامر ليس مجرد تشريف بل تتطلب دراية في العلوم العسكرية واستخدام المعدات والاليات والاسلحه وقراءة الخرائط واعداد الخطط الحربيه والالمام بحرب المدن وحرب العصابات واساليب الانسحاب وشؤن الافراد والامور الاداريه والكثير من التفاصيل التي لايتسع المجال للخوض في تفاصيلها .
ان منح هذه الرتب العليا كالعقداء والعمداء وحتى الالويه هي اهانة للرتبه وحرج للشخص الذي تمنح له تلك الرتب الشرفيه . والتساؤل الذي يفرض نفسه هو أذا كنا قد سوغنا امكانية اعطاء هذه الرتب على اسس الانتماء السياسي والتاريخ الجهادي بغض النظر عن المؤهلات الاكاديمية فلماذا لاينسحب هذا الامر على القطاعات الاخرى ولماذا ينحصر بالرتب العسكريه . فلماذا لايمنح البناء درجة رئيس مهندسين والشخص الذي اجتاز دورة اسعافات اولية درجة طبيب اقدم والمعلم درجة استاذ جامعي ؟؟؟ آمل ان لايكون جهل السادة المعنيين بخطورة واهمية المؤسسة العسكريه جعلهم يجنحون الى هذا السلوك اللامحسوب .
من الحلول الوسطيه التي كان من الممكن تبنيها للتعاطي مع الموقف بطريقة تحفظ للمؤسسة العسكريه هيبتها من جهة وتكريم الاخوه المجاهدين وانصافهم من جانب اخر هو منح هؤلاء الاخوه الافاضل رتب صغيرة تتراوح بين ملازم وملازم اول وبعد ادخالهم دورات مكثفة طبعا ويتم احالة الراغبين على التقاعد منهم برتب شرفيه اعلى لأغراض الراتب التقاعدي . اما قضية ايجاد حالة من الموازنة لهيكلة الاجهزة الامنية فبوسع القائمين على الامر منح ترقيات الى الضباط الصغار من ابناء الطوائف التي تعاني من خلل في نسب تمثيلها واستدعاء الضباط الكبار الراغبين بالعودة ممن احالهم النظام السابق على التقاعد من ابناء الطوائف المشار لها سابقا .
بعد البحث في معجم المصلحات العراقيه بطبعته الاخيره عن مصطلح الضباط الدمج تبددت دهشتي واتصلت بأقاربي المسكين لأواسيه على رتبته المتواضعه التي استكثرتها عليه في باديء الامر لأن المسكين مجرد نقيب.اِكد مرة اخرى ويشهد الله اني لأحمل تحفظا شخصيا ضد أي من اخوني المستفيدين وليس حسدا لاسامح الله ولكن تحفظي على الاليه وعدم ادراك عواقب هذه الخطوات التي تفتقر الى صواب الرؤية .فإذا كانت هذه مقومات دولة القانون فما عسى ان تكون عليه دولة اللاقانون وانا لله وانا اليه راجعون .
https://telegram.me/buratha