أ. د. حاتم جبار الربيعي*
ما أن فتحت الجامعة أبوابها في مايس 2003 حتى فتحت عليها مئات المعاملات المعطلة إذ أن كثيرا من الطلبة تم ترقين قيدهم منذ فترة زمنية طويلة لهروبهم إلى خارج العراق أو تركهم الدراسة لأسباب سياسية كما أن القسم الآخر صدرت أوامر جامعية بقبولهم للدراسات العليا ولكن تم فصلهم لورود معلومات أمنية عنهم بإن لديهم أشقاء أو أقرباء حتى درجة القرابة الرابعة من أحزاب دينية أو سياسية أو لديهم تبعية لدول أخرى. لذلك كانت فرصة لهم للمطالبة بالإلتحاق بدراستهم. لذا وافقت الجامعة على النظر بمسألة عودتهم للدراسة. وكلف قسم شؤون الطلبة بإستلام معاملات الطلبة بإستثناء الذين تم ترقين قيدهم بسبب الغش أو قضايا إنضباطية، ويتم التأكد من صحة طلبهم ووثائقهم من خلال الإطلاع الكامل على الكتب الرسمية الصادرة والموثقة في رئاسة الجامعة و أقسام تسجيل الطلبة في الكليات.وقد كان للسيدة تماضر عبداللطيف رئيسة قسم شؤون الطلبة دور مهم في تدقيق تلك الطلبات وحتى اضطرت أحيانا للتوجه إلى إدارة التسجيل في الكليات لتدقيق بعض الحالات. وقد أشعنا في وقتها اصطلاح "المسطرة" والتي نعني بها بإن هنالك مسطرة واحدة للتعامل مع كافة العراقيين دون التمييز فيما بينهم ومن تنطبق عليه تلك المسطرة ينال حقة. لذلك صدرت أوامر جامعية بعودة المئات إلى مقاعد الدراسة بعد أن أجبرتهم الظروف على هجرها لفترة طويلة. وكنا نجد الفرحة الغامرة على وجوه الطلبة بعد إستلامهم تلك الأوامر، وسرورهم الآخر هو حسن التعامل معهم وإنجاز معاملاتهم بفترة قصيرة لذلك سمع الجميع تعليقاتهم بأن هذا هو العراق الجديد الذي يعطي كل ذي حق حقه مع وجود المساواة والعدل فيما بينهم إمتثالا لقول الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) ،(النساء 58)
من المشاكل التي برزت في الجامعة شأنها شأن غيرها من دوائر الدولة هو وجود عدد كبير من موظفي الجامعة الذين أجبروا على ترك العمل بسبب انتمائهم لأحزاب دينية أو سياسية في العراق أنذاك وهاجروا خارج البلد أو بسبب قرابتهم للمنتمين لبعض الأحزاب. لذا فإن إجراءات عودة المفصوليين السياسيين لوظائفهم استغرقت وقتا طويلا. إذ صدرت تعليمات وزارية بأن يقدموا تلك المعاملات ثم يتم دراستها من قبل لجان خاصة في رئاسة الجامعة لغرض تحديد إستحقاقهم. وباشر العشرات منهم بتقديم معاملات عودتهم للوظيفة مع تقديم الأدلة التي صعب على بعضهم تقديمها لمرور فترات زمنية طويلة على تركهم العمل التي أتلفت تحوطا لإجراءات أمنية قد تتخذ ضدهم في حينها.
أما المشمولون بإجتثاث البعث من التدريسيين والموظفين فقد خص الحاملين على درجة عضو فرقة فأعلى، أما الدرجات الحزبية الأخرى فإستمرت بالدوام بالجامعات أسوة ببقية دوائر الدولة. وقد أصدرت وزارة التعليم العالي خلال فترة مجلس الحكم أوامر بالتصرف بالدرجات الوظيفية للذين شملهم قرار الإجتثاث على الرغم من مطالبة الوزارة لاحقا بتقديم معاملة الطلب بعودتهم إلى الجامعات. ولكن بعد فترة زمنية إستحصلت وزارة التعليم العالي (وأعتقد كذلك وزارة التربية) بالموافقة على عودة من يحمل درجة عضو فرقة في حزب البعث من تدريسيين وموظفين وكان عددهم في وزارة التعليم العالي حوالي 1630.
لذا فإن جامعة بغداد وقعت في أحراج لأن هنالك نسب كبيرة منهم حوالي 700 لدى ملاكها وإنها طبقت تعليمات الوزارة بالتصرف بالدرجات الوظيفية الخاصة بهم في فترة سابقة. وعندما بدأوا بمراجعة الوزارة حول عودتهم أبلغتهم بأن الجامعة مسؤولة عن ذلك وعند مراجعة الجامعة أخبرتهم بأنه لاتوجد الدرجات الوظيفية بعد أن أبلغتنا الوزارة بالتصرف بها. وبعد عودة الكثير من التدريسيين والموظفين المشمولين بالإجتثاث للدوام في الجامعات الأخرى (لأن أعدادهم كانت قليلة) أصبحت المشكلة واضحة في جامعة بغداد. وفي إحدى الفترات وكنت في حينها رئيس جامعة بغداد بالوكالة بعد سفر الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس الجامعة في مهمة علمية خارج القطر، وبعد أن تأزم الأمر في حينها وعرضت المشكلة أمامي قررت أن أجد حلا لها. فأجتمعت بالمسؤولين عن موضوع التعيينات والأمور الإدارية بضمنهم الأستاذ الدكتور نهاد الراوي مساعد رئيس الجامعة للشؤون الإدارية ورؤساء الأقسام المالية والإدارية وإستفسرت منهم عن مصير الدرجات الوظيفية للمشمولين بالإجتثاث( لكون هذا الموضوع بعيد عن مجال عملي كوني مساعد رئيس الجامعة للشؤون العلمية) . فأجابوني بأن الجامعة طبقت قرار الوزارة وتصرفت بالدرجات ووزعتها على الكليات لغرض تعيين تدريسيين وموظفين جدد. عندها أبلغتهم بأن الوزارة موافقة على عودة المشمولين بالإجتثاث لذا يجب تبليغ الكليات بعدم التصرف بتلك الدرجات الوظيفية، وأن الجامعة ستعوض عن تلك الدرجات الوظيفية من الوزارة لاحقا. وبعد أن تم التأكد بأن تلك الدرجات لازالت موجودة طلبت إصدار أمر جامعي بعودتهم الى الكليات ولكن بنفس الوقت طلبت أصدار أمر جامعي آخر بعودة المفصولين السياسيين الذين قدموا مستندات عودتهم للوظيفة منذ فترة طويلة وكان موضوعهم لم يحسم بعد. لذلك قمت بالتوقيع بنفس الوقت على الأمرين الجامعيين وليساهم الجميع بخدمة بلدهم العراق.
وبعد أن صدرت الأوامر أخبرني الموظفون بإنهم لاحظوا دموع الفرح تنهمر من عيون كثير من المفصولين السياسين عندما إستلموا أوامر عودتهم إلى كلياتهم بعد أن تركوها منذ عدة سنوات.
واتصل بي عصر ذلك اليوم الأستاذ الدكتور موسى الموسوي رئيس الجامعة من خارج العراق ليسألني عن الموضوع بعد أن وصلت اليه الأخبار، وعندما أوضحت له المشكلة والإجراءات التي إتخذناها ثمن موقفي بحل الإشكال وقال لديك الصلاحيات بذلك لأنك الآن تمتلك وتمارس صلاحيات رئيس الجامعة.
وسنتناول في حلقتنا القادمة في الأسبوع القادم إن شاء الله مسألة إغتيال التدريسيين.
*مساعد رئيس جامعة بغداد السابق والمنتخب (2003-2006)
https://telegram.me/buratha