بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
في نظرية الصراع:يفسر مفهوم نظرية (النزاع) الصراع (Conflict Theory): باعتبار ان الافراد يخوضون جملة من الصراعات والتباينات التي تؤدي بالتالي إلى تحقيق منافع خاصة. وقد يكون هذا التفسسير واقعيا باعتبار حتمية الصراع في ضوء المتغيرات الانية، وظهور الحاجات الفردية والاجتماعية. ولما كنا لا نفسر التاريخ من موقف تاريخاني، ولكن اتباعا للمنهج الواقعي، فان تحقق حتمية الصراع لايتم إلا بتوفر مجمل الشروط المؤدية إلى حدوث الحدث.أن التفاعل الاجتماعي والفكري عبر حركة التاريخ لم يكن يوما خارج حاجات البشر، لكن التباين يقع في مفهوم الحاجات، فهل هي حاجات سلبية أم أيجابية؟ ولما كان التفاعل السياسي كبقية التفاعلات البشرية، فانه يصبح هو الاخر خاضعا لمفاهيم الحاجات، غير ان الاشكالية تكمن في اعتبار الحاجات الانية اهم من المواقف الكلية وبالتالي يصبح الفرد عبدا لحاجاته الاجتماعية فيخسر مواقفة ويتراجع عن طروحاته الايجابية ثم تبدا عملية السقوط.
من هنا فان موقفنا من تحولات السياسة العراقية المعاصرة كان ولايزال موقفا عقلانيا مدركا لحجم التحول وفي نفس الوقت غير متناسيا لطبيعة الافراد الذين زجوا بانفسهم في عملية التحول متبنين رؤى ومواقف سلبية أحلوها محل المفاهيم الايجابية، فتصورا انفسهم ألهة قادرة على التحكم في مصائر الاشياء.
إشكاليات السياسات السلبية:تكمن مشكلة الفشل السياسي في عدم ادراك حجم المساحة بين القدرة الذاتية وعملية التطبيق، فالسياسي عندما يضع نفسه محل الله، وعندما يتصور انه يتحكم بالمعايير الاخلاقية والتاريخية والعقائدية لمجرد انه وجد نفسه ضمن المجموعة الحاكمة، فانه قد دك أسفين نهايته بيده وبالتالي فإن الفشل السياسي يصبح ممكنا خروج هذا الفرد من السلطة السياسية سيكون سريعا وغير مؤسفا عليه.
لاشك ان نهاية موفق الربيعي كانت قد وضعت منذ اكثر من اربع سنوات، وقد ساهم هو شخصيا في بناء التحول السلبي في السياسة العامة عبر منصبه الوهمي كمستشار للامن القومي، فخلال كل هذه السنوات لم يقدم الرجل تصورا لمفهوم الامن في العراق، كما لم يعرف عنه انه قد ساعد يوما في حقن الدماء النازفة، وبالذات (الدماء الشيعية)، فالرجل كثير الكلام كثير الظهور قليل الفعل، وكم كنت أود لو اراه صامتا في اكثر المواقف حراجة وهو يدلي بتصريحات اقل ما يقال عنها انها ساهمت في المزيد من الدماء.
كنت قد كتبت عشرات المرات خلال السنوات الاخيرة في تحليلاتي السياسية حول شخصية موفق الربيعي ونوع طروحاته وافكاره منذ ان تعرفت عليه في بريطانيا وهو يدعي صلته بالدعوة، بل وبانه احد قياداتها في ذلك الوقت، وعندما وجدته يشارك بالعملية السياسية اكتشفت الخواء الفكري لهذا الرجل وكنت اتوقع سقوطه سقوطا مدويا، وعلى الرغم من تنبيهي السابق بعدم جدوى وجوده في العمليه السياسية وانه عامل تخريب اكثر منه عنصر بناء، إلا أن رجال السلطة الحاكمة لم يأخذوا بمقولاتي.
إن تصريحاته الاخيرة وهو يفتخر بصداقته وعلاقاته بأحد أكبر صانعي الارهاب الدولي، وأحد اكثر قاتلي الشيعة في الجزيرة العربية (نايف بن عبد العزيز) تكشف حقيقة الرجل، فهو لايقيم وزنا لموقف الشارع العراقي أو الشارع الشيعي، ولا لمشاعر الناس، ولم يحفظ حرمة الدماء، وبالتالي هو ضحى بكل هذه للحفاظ على صداقته لمجرم عتيد، وكيف يمكن للمجتمع العراقي ان ينسى أو يتناسى فعل الربيعي بتسليمه لمجاميع الارهابيين للحكومة السعودية دون مقابل، وما ذلك إلا جزء من صفقة صداقته العميقة للمجرم (نايف آل سعود). فسقوط الربيعي هو بمثابة سقوط مبكر لاوراق الخريف في الصيف بعد ان اصابها الفشل والضعف والفساد المتنامي في عروقها.
السقوط :أن فشل الربيعي سياسيا، هو احد أوجه الفشل السياسية لمجموعة المالكي، فعندما تعتاد السلطة على التزوير والتحريف للوصول إلى مقاصدها، وعندما تضرب حلفائها، وتتخلى عن الاتفاقات الداخلية لاجل مصالح آنية، فان السقوط يصبح وشيكا.
لعل اكثر ما سيتسبب بسقوط طاقم المالكي هو فكرة المصالحة، والصحوات، فقد استغل حزب البعث هذا التراخي للنفوذ داخل العملية السياسية بوقت مبكر عبر شخوص محددة لكن فاعلة:
صالح المطلك، اياد علاوي، طارق الهاشمي، ثلاثي بعثي عريق، يحتل مساحة بين التوجهات العشائرية والقومية والاخلاص لعودة البعث للسطلة، وفي مراجعاتنا للتفاعل السياسيي لهذا الثلاثي وعلاقاته بالحدث الاني، نجد ان هذا الثلاثي قد قاد على الدوام اتجاها يتبنى ضرب أي ظهور إسلامي شيعي على وجه الخصوص، مما يعني خلق تنازع مستمرا تتأكد ملامحة على الدوام في تقارب هذا الثلاثي مع السعودية مصر الاردن، مما يعني الكثير من الدماء على الشارع العراقي، ومحاولة تأزيم العلاقات العراقية الايرانية بتقديم طروحات كاذبة تتبنى المصلحة الامريكية السعودية بالتناغم مع الاتجاه الاردني المصري، وهذا سيؤول بالعملية السياسية إلى المزيد من الانهيار، فالتنسيق الامريكي السعودي في صناعة احداث الكاظمية الاخيرة لايقع فقط في مستوى مزيد من الضغط على الازمة الحالية ولكن نوعا من رد الفعل تجاه المواقف النبيلة والشجاعة للرئيس الايراني احمدي نجاد امام تخاذل الخطاب السياسي العربي القومي تجاه اسرائيل، ولما كان الثلاثي (مطلك، علاوي، الهاشمي) يدرك حجم النشاط الاقتصادي الايراني في العراق ممثلا بالعدد الكبير من الزوار للعتبات المقدسة، كما ان هذا النشاط هو ذاته يمثل قلقا للثلاثي (السعودية، مصر، الاردن) عبر تفجير الموقف في بغداد والعراق في ظل حكومة تتبنى مشروعا للتفاوض مع البعث بحجة المصالحة مرة وبحجة العلاقات العشائرية عبر الصحوات مرة أخرى. في المقابل ثمة تهافت مستمر في الاداء الحكومي يكشفه هذا التركيز على تسخير الاتجاه العشائري والقبلي والانفاق عليه لتضمن الحكومة ولاء هذه الاطراف على حساب برامج التنمية والنهوض بالاقتصاد المنهار، فاموال النفط بالكاد تكفي لصرف الرواتب وتدعيم الحمايات الشخصية على حساب الانفاق على المشاريع التطويرية، فوزارة التخطيط لم تضع اية خطط مستقبلية غير تلك التي وجدتها جاهزة، وبدلا من ان تصبح الوزارات منظمات خدمية نجدها قد اثقلت كاهل المجتمع بالتقصير في الاداء، والخدمات تكاد تكون في المرتبة الاخيرة في خطة البرامج الوزارية.
فشل سياسي وعقوبة ايران:من هنا ندرك حجم الفشل السياسي فخسارة العراق للزوار الايرانيين ليس خسارة في العملية سياسية فقط وانما هي خسارة اقتصادية متعمدة لشريحة كبيرة من المجتمع العراقي، واضعاف الوضع السياسي والاقتصادي لعدد من المراكز الدينية التي يتوجه الايرانيون لزيارتها، فبعد تصريحات الرئيس احمدي نجاد في مؤتمر (دوربان-2) وقبله خطاب الرئيس التركي في (دافوس) قد تكشف تخاذل الخطاب السياسي العربي القومي، وفشل الدول العربية في التصدي لقضايا الامة مما ادى إلى التصريحات المتشنجة ضد حزب الله في مصر والاردن، وتكليف السعودية ببث سمومها وعملائها الارهابيين لتفجير الزوار الايرانيين في الاراضي العراقية، وقد زاد هذا الفشل هو تحول الجامعة العربية إلى اداة لتنفيذ مشاريع هذا الثلاثي على حساب الشعوب.
إن ماحدث في الكاظمية كان يراد منه اضعاف العلاقات لاعراقية الايرانية واجبار الزوار الايرانيين على عدم القدوم للعراق، وبالتالي الاضرار بالمصالح العراقية الايرانية وتدمير الاقتصاد العراقي في هذا الجانب، كما لايخفى تلك النزعة المستمرة في التصفيات الطائفية التي تقودها مجاميع البعث في تنسيقها المستمر مع القاعدة بدعم مالي ولوجستي سعودي امريكي وموافقات مصرية اردنية تنحو باستمرار لضرب ايران في العراق. أن عدم إدراك الحكومة لحجم الاضرار التي توقعها الجرائم الارهابية سيعني أن الحساب الزمني للحكومة في تناقص مستمر، وبالتالي فليس الربيعي إلا بداية الانهيار.
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيمؤسس ورئيس الاتحاد الشيعي العالمي (أتشيع)dr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة - لندن 25 / نيسان / 2009
https://telegram.me/buratha