المقالات

لنحافظ على قداسة كربلاء


حسن الهاشمي

جعل الله تعالى للإنسان أجلين هما الأجل المسمى والأجل غير المسمى، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾( سورة الأنعام: 2). والمقصود من الأجل المسمى هو التقدير المحتوم ومن الأجل غير المسمى هو التقدير الموقوف. والتدبر في الآيات يفيد أنّ الأجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب وغير المسمى من الأجل هو المكتوب فيما نسميه بلوح المحو والإثبات(تفسير الميزان 7: 9، في تفسير سورة الأنعام الآية رقم 2).

وقال الرازي: إنّ لكل إنسان أجلين: أحدهما الآجال الطبيعية والثاني الآجال الاخترامية، أما الآجال الطبيعية فهي التي لو بقي ذلك المزاج مصوناً عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني، وأما الآجال الاخترامية فهي التي تحصل بالأسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما(مفاتيح الغيب للرازي، سورة الأنعام: 2).

ومما يؤكد معنى الأجلين هو ما أشار إليه الإمام الصادق(ع) قال: الأجل الذي غير مسمى موقوفٌ، يقدم منه ما شاء ويأخر منه ما شاء، وأما الأجل المسمى فهو الذي ينزل مما يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل، فذلك قول الله: ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾( بحار الأنوار 4: 116/ 44). أكد القرآن الكريم والسنّة المباركة على جملة من العوامل المؤثرة في تأخير وتقديم الأجل كالإيمان والتقوى وعدم الفسوق والاستغفار وصلة الرحم والصدقة والإحسان وزيارة أولياء الله سبحانه والمواظبة على صيام بعض الأيام من شهر شعبان وغيره.

قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾( الأعراف: 96). فبيّن أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع عن الفسوق.وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح(ع) في خطابه لقومه:﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً...﴾( نوح: 10 ـ 11). فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم الاستغفار، فلو لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمالهم واستأصلهم بالعذاب.وعن الصادق(ع): «يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم ويموتون بذنوبهم أكثر ممّا يموتون بآجالهم»( البحار 5: 140/ 7).إنّ الأمم والمجتمعات لها أعمار وآجال نظير ما للأفراد من الأعمار والآجال، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾( الأعراف: 34) أي مدة ووقت لنزول الموت والعذاب، وتتأثر آجال الأمم قصراً وطولاً أيضاً بأعمالهم سواء كانت صالحة أو بالعكس كما بُين ذلك في القرآن الكريم، فإذا جاء أجلهم وانقرضت مدتهم أو حان وقتهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون(التفسير الصافي ـ للفيض الكاشاني ـ: 194).إذا أضفنا إلى البحث القرآني المختصر لما تحمل أرض كربلاء المقدسة من طهارة وبركة وقداسة، إذ أنه أريق عليها أطهر دم على وجه الأرض ليسقي فيها شجرة الإيمان المباركة التي تستظل بظلها الأجيال إلى قيام الساعة، وأنها ومن بركات سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام أضحت تلك الترعة ملاذا لاستجابة الدعاء واستجلاب الشفاء واستنزال بركة السماء، ولكي نحافظ على ثقل الرحمة الإلهية في عراق المقدسات بل في العالم برمته، لابد من حفظ قداسة كربلاء وإبعادها عن موجبات الغضب الإلهي، ومن غير اللائق أن نشاهد في مثل هذه المدينة المقدسة بعض الفضائيات والإذاعات المحلية تبث برامج مخلة بالأدب والحشمة والفضيلة، إضافة إلى مساعي البعض لفتح البارات وأماكن الدعارة بذريعة ممارسة الحريات الخاصة!! وهي منافية للطبيعة الدينية والمكانة القدسية لمحافظة كربلاء.

والوقوف بوجه هذه الهجمة المتفسخة هي مسؤولية جميع أولئك الذين يسعون أن تكون كربلاء بمنأى عن غضب السماء بل ينبغي أن يكون العمل لاستدرار الرحمة والبركة والسعة في الأرزاق والأعمار، سيما ونحن نعيش عصر الجفاف وقلة الأمطار وكثرة العجات الترابية وقلة الايرادات النفطية، فهذه الأمور مرهونة بالتوجه إلى الخالق المتعال وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، التقوى الإلهية وإن هي مشتركة تعم جميع المكلفين في شتى أصقاع العالم، بيد أنها تتأكد في مواضع يحب الله تعالى أن يدعى فيها وعلى رأسها كربلاء المقدسة، تعالوا لنأخذ بيد كربلاء وننتشلها من كل ما يعكر صفو رحمتها وبركتها لتعم علينا سوابغ النعم ونكون مصداقا لقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك