المقالات

متى نلحق الركب...

1065 12:48:00 2009-04-20

الدكتور يوسف السعيدي

كل سياسة هي في بعض تحليلها النهائي اقتصاد – وصراع الدول في القرن العشرين وقبله كان من أجل المصالح الاقتصادية... منها السيطرة على مصادر المواد الخام في اسيا وافريقيا، ومنها الاستحواذ على اسواق التصدير للسلع الوسيطة والاستهلاكية الذي زاد من حدته وفرة الانتاج نتيجة الثورة الصناعية وما تمخض عنها من تطور تقني ضاعف من حجم الانتاج بصورة اكثر من قدرة الاسواق المحلية على الاستيعاب وكان كل من السيطرة على مصادر المواد الخام، واسواق التصريف، يستلزم الهيمنة على الممرات البحرية والبرية... ثم ظهر مفهوم (المجال الحيوي) لهذه الدولة أو تلك وهي حصة للهيمنة والنفوذ على مناطق من قبل دولة ما بحيث لا ينازعها فيها احد...ان صراع الدول بسبب هذه المنافسة دفع بها اولاً الى زيادة حجم القوة العسكرية افراداً وتسليحا ثم دفع لان ياخذ موضوع تطوير السلاح ليكون اكثر فتكا وتدميراً للعدو.... وهكذا خرجت الدول المتصارعة على المصالح من حلبة الصراع السياسي الى الصراع العسكري.. وتحولت التحالفات والمعاهدات السياسية من سياسية الى عسكرية.... وقبل ان يتم التوصل الى تصنيع الطائرات بعيدة المدى، والصواريخ كان لا بد من وجود قواعد عسكرية قريبة من اراضي الخصم، ما امكن، لتحقيق عنصر المباغتة اذا اقتضى الامر، ولتوفير فرصة الرد السريع، ولتجنب مشكلات النقل عبر مسافات بعيدة والتخفيف من معضلات الامداد اللوجستي ثم لتقليص اثر الحرب على اراضي الدولة نفسها بنقل جبهة الحرب الى خارج اراضيها...

ولكن منذ اختراع القنبلة الذرية ثم الصواريخ العابرة للقارات وذات القدرة على الاطلاق من الارض أو من الجو أو من البحر بواسطة السفن والغواصات ومنذ ان تطور الطيران ليكون ابعد مدى في المسافة قد ادى الى وجود سلاح ابعد مدى واكثر دقة في الوصول الى الهدف، فقد تقلص أثر ما يسمى المواقع الستراتيجية القريبة من العدو... ثم ان امتلاك الاطراف المتصارعة لقوى الذرة ووسائل ايصالها قد خلقا نوعاً من التوازن يقوم على اساس الردع المتبادل.... من هنا عادت السياسة لتلعب دوراً في كسب الاصدقاء واضعاف قدرات الاعداء لكنها سياسة لم تعد تقوم فقط على قدرة الدبلوماسية ومهارة وزراء الخارجية انما اضيف لها ثلاثة عناصر بالغة الاهمية:

العنصر الاول: هو الحكومات الصديقة والتي يطلق عليها معارضوها بالحكومات العميلة... لقد ظهر عندها نمط من العلاقة يقوم على لقاء المصالح بين فئات الحاكمة والدول الطامعة... فبينما تتبنى الاولى حفظ الامن الداخلي وتحقيق الاستقرار، وتلبي مصالح الدول الكبرى، وتقاوم اعداءها في الداخل فان الدول الكبرى تتولى حماية أمنها الخارجي وتقديم المشورة، وتوجيه خطط الدولة المعنية، ومناهجها بما لا يتعارض مع مصالحها بل بما يؤكد هذه المصالح... ثم ان يكون للدول الكبرى حصة الاسد في الاستثمار وفي عقود الدولة، وفي السوق، لكن الحكومات الصديقة لم تبق خالية الوفاض من المغانم المادية استثماراً في اسواق الدول الكبرى، ومنافع من استيراد سلعها أي هوامش للربح مجزية، ثم مشاركة حتى في مصارف الدول الكبرى وشركاتها العملاقة على ان هذا المكسب ظل حصة فئة طفيلية يقابله حرمان للجماهير الغفيرة من مستلزمات العيش المرفه.

اما العنصر الثاني: في الصراع فهو الدعاية والاعلام... ويقوم هذان النشاطان على تفريد الخصم أو عزله، ثم خلق الفجوة بين الحكم وشعبه، ثم الضرب على اوتار ضعفه، واستغلال نقاط الوهن، ولا بد من تضخيم مطامعه في الدول الاخرى وتضخيم هذه المطامع... واخيراً تحطيم الايديولوجيا التي يتبناها الخصم وفق خطط علمية مدروسة واقناع الرأي العام بالتالي بعدم جدواها، بل، انها مأساة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق... ودائما فانه بالامكان استحضار الشواهد... ولقد تعددت الوسائل من الصحيفة والمجلة والكتاب الى الاذاعة والتلفاز الى السينما وكلها تحاول ان تتخذ طابع الموضوعية فهي تنقد دولتها في امور اعتيادية لتكسب الكثير من المصداقية عند هجومها على الخصم... وهي تؤكد الحرية في بلادها مقابل الاضطهاد والطغيان في البلد المعادي، وهي تظهر الرفاهية التي يعيشها شعبها ليشعر الشعب في دولة الخصم بالبؤس الذي يعاني منه، فيتطلع الى الهجرة، ويتطلع الى التغيير، ويخضع مرغما لليأس والاحباط...

اما العنصر الثالث: فهو الارتقاء في مستوى التصنيع الى الحد الذي ليس بوسع الطرف الاخر ان يضاهيه، فالاهتمام لا يقتصر على القيمة الاستعمالية للسلعة بل تعداه الى قيمتها الجمالية، كالشكل، اللون، التغليف، العناصر المضافة ويشمل ذلك كل سلعة من السيارة الفارهة التي يتحرك فيها كل شيء بالازرار وتبدو كمنحوت من الجمال الى قطعة الصابون...

وفي بداية الثورة الصناعية كانت المصانع معنية بتلبية حاجات المستهلكين لكنها سرعان ما تحولت الى خلق حاجات جديدة تبدأ كمالية لكنها سرعان ما تتحول الى ضرورية... ولذلك فان الصراع قد بات صراعاً اقتصاديا تجاريا اعلاميا أما الحرب فانها بقيت محتفظة بتعريفها الذي بدأت به وهو كونها آخر الحلول للصراعات السياسية... فاين نقف نحن ازاء كل هذه المعطيات؟نحن في العراق نمتلك الكثير من الثراء المادي...ونحن في العراق نمتلك الكثير من العقول المقتدرة...ونحن في العراق نمتلك خزينا معرفيا جيداً..مع ذلك كله :فنحن في العراق نعاني عجزاً في الطاقة وفي الوقود وفي المياه...ونحن في العراق نعاني من تفشي البطالة بنوعيها الاعتيادي والمقنع.ونحن في العراق نعيش دون مستوى الكفاف...والاكثرية الساحقة من المواطنين العراقيين لا تمتلك السكن الجيد، ولا الشارع المعبد، ولا الباحة الخالية من كومة الازبال...ونحن في العراق نعاني من كل الاوبئة ولا نمتلك المشفى الجيد، ولا تقنيات العلاج الحديثة، ولا الادوية الشافية، ولا العدد الكافي من الاطباء، ولا التمريض الحديث...ونحن في العراق لا نملك وسائل التعليم فلا ابنية، ولا اساتذة، ولا مناهج، ولا طرائق حديثة في التدريس....ونحن في العراق ما زلنا مجتمعا لا يميز بين الحزب والعشيرة ولا بين الزعيم السياسي ورئيس عصابة الابتزاز....ونحن بلا عقائد سياسية (ايديولوجيات) تلامس العصر وتمتلك العناصر الضرورية للتنظير ولها فرصة التطبيق.ونحن في العراق بلا أمن وبلا قوة تحفظ الامن....ونحن في العراق نصارع بعضنا، ونريق دم بعضنا، وننهب مال بعضنا، وتنتهك حرمة بعضنا...فلسنا دولة كبرى صناعية...ولسنا دولة تلوذ تحت جناح دولة اكبر...( انما ضيعنا المشيتين )وليس لدينا من الاعلام الا ذلك الذي يشيع الحقد ويعمم الامية..وازء ذلك كله فان العراقي بحاجة لان يصالح نفسه أولاً...وان العراقي بحاجة لان يرفض حياته حياة البؤس التي يعيشها...وامامنا حل واحد لا غيره وهو ان ندع كل شيء جانبا، ونتفق على استثمار التدفقات المالية الهائلة للنفط على بناء بلد يليق بالبشر، يليق بنا، بلد لا يستنير فيه الناس على الفوانيس، ولا يشربون الماء الآسن، ولا يفتقدون الوقود، ولا يعالجون انفسهم بالحجامة، ولا ياخذون العلم من ( وعاظ السلاطين) بل من ذوي المعرفة... بلد لا يسير الناس فيها على شوارع هي حفر مملوءة بالمياه الاسنة والاوحال...واعتقد ان لدينا من الثروة ومن العقول، ومن السواعد ما يكفي بشرط واحد هو ان ننفض عنا غبار الزمن ونستبدل العقول المستهلكه والارواح الصدئة بعقول جديدة وارواح جديدة مفتوحة النوافذ لكل جديد...ولقد تطرقت في بداية حديثي الى الدول الكبرى ولن نستطيع ان نكون مثلها بضغطة زر، ولكن من المعيب ان تسبقنا الدول الصغيرة التابعة ونحن نتشبث بالحرية بينما نظل في آخر الركب...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك