صباح حسين
بعد ان اتخذ الامريكيون قرارهم باسقاط نظام البعث الصدامي لم يكن من الواضح فيما اذا كانت الانظمة العربية في المنطقة راغبة في اسقاطه ,بل ان كثيرا منها كان يحاول مد حبل النجاة لهذا النظام من اجل انقاذه وعدم سقوطه حتى اللحظة الاخيرة وكان كثير منها مستاء للطريقة التي هزم بها هذا النظام وزواله .هذا التعاطف الكبير جاء في الواقع نتيجة لشعور هذه الانظمة بان النظام البعثي الصدامي هو جزء من المكون العام والرئيسي للانظمة الشمولية في المنطقة والتي كانت تتشابه في كل شيء والادوات والاليات التي كانت توظفها من اجل احكام سيطرتها على شعوبها وتدجينها وحقنها بفايروسات الطاعة ,
حيث كانت هذه الانظمة تحاول ان تعتبر نفسها انظمة ابوية يحق لها الوصاية على شعوبها والتحكم فيها ومصادرة مقدراتها وثرواتها وامكاناتها ,بل انها اعطت لنفسها الحق في حكم شعوب المنطقة بطريقة ابدية لا انفكاك لها وشرعنة نظام التوريث والذي اخذت بعض الانظمة في المنطقة تعمل على تطبيقه من خلال منح ابناء الحكام دورا كبيرا ومهيمنا وحاكما في مؤسسات الدولة تمهيدا لمنحهم السلطة بعد وفاة ابائهم الحكام الحاليين .النظام البعثي الصدامي لم يكن شاذا عن هذه القاعدة ,حيث كان الطاغية صدام يفكر بنفس الطريقة عندما بدا يمنح نجله الاصغر قصي دورا مهما في المؤسسة الامنية والعسكرية تمهيدا لوصوله الى سدة الحكم والرئاسة في نهاية المطاف وهو ما يفسر الدور الكبير الذي اسند اليه في وضع خطة الدفاع عن بغداد قبل الاجتياح الامريكي لها وهو ما اخفق فيه في نهاية الامر .
المعارضة العربية الشاملة لعملية سقوط صدام جاءت في الواقع من خوف هذه الانظمة وخشيتها من ان يؤدي سقوط هذا النظام الى وقوع سيناريو مشابه لها وهو ماجعل الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح لان يصرح بالقول (بعد ان حلقت لحية جارنا علينا ان نسكب الماء على رؤوسنا) في اشارة واضحة الى خوف هذه الانظمة وخشيتها من ان يؤدي السقوط الى وقوفها في طابور الانتظار ,بالاضافة الى الحسابات والدوافع المذهبية ومعارضة هذه الانظمة لاي تغيير في معادلة السلطة والحكم الثابتتين في المنطقة منذ قرون في كون الحكم سنيا ,اذ كانت هذه الانظمة تخشى من ان يصبح سقوط النظام في بغداد مقدمة لوصول الاكثرية الشيعية التي كانت مقموعة وممنوعة ممن الوصول الى المناصب السيادية في الدولة مما يعني قلبا للموازين في هذه المنطقة ,خصوصا وانه توجد لديها جاليات شيعية مقموعة ومحرومة من الكثير من حقوقها السياسية والدستورية في المنطقة.
لقد حاولت هذه الانظمة بعد السقوط استيعاب الحالة في بغداد والشروع بالانقضاض عليها قبل ان يقوى ويشتد عودها فكان الدعم المعلن والواضح للارهاب ومحاولة شرعنته عبر تسميته بالمقاومة رغم ان هذه العناصر التي زجت بها الى العراق لم يكن هدفها في الواقع مواجهة قوات الاحتلال ,بل العمل على قتل العراقيين الابرياء وعلى الهوية وجر العراقيين الى نزاع طائفي حاد ومدمر في النهاية .لكن هذه السياسة المدمرة سرعان ما عادت عليها باسوأ النتائج عندما تحول الارهابيون الى بلادهم ليمارسوا فيها ما تعلموه في العراق من اعمال قتل وتفجير ,فضلا عن شعور هذه الانظمة بان اي تدهور في العراق يمكن ان تنتقل شرارته وتداعياته اليها .
الانظمة العربية ما زالت مترددة في الاعتراف بالنظام العراقي الجديد وقبوله والدليل انها لحد الان لم تقم باعادة فتح سفاراتها في بغداد ولم تسقط ديونها المستحقة عليه والتي تعود الى عهد النظام السابق رغم المناشدات العراقية العديدة وفي اكثر من محفل ومنبر .القبول بالامر الواقع العراقي سيكون هو النتيجة الحتمية بالنسبة لهذه الانظمة التي تدرك جيدا بان عصر الانكفاءات والقمع والتمييز والتهميش التي تمارسها لم تعد صالحة ومجدية في عصرنا الحالي
https://telegram.me/buratha