علي الخياط
هناك مثل مشهور يقول:الظلم لا يدوم ولو دام لدمر،وعين الظالم تنام وعين الله لا تنام.... ولو استعرضنا التاريخ في جميع عصوره،لوجدنا ان الظلم مهزومٌ لامحال ، ذلك لان الظلم ينافي سنن الله في عباده، ان الصراع بين الحق والباطل كان وما يزال وسيظل ، هو الذي يعطي معنى لا حدود له لهذه الحياة الفانية الزائلة التي لا يرى الظالم شيئا ابعد منها فالظالم المغرور يرى ان الحياة هي كل شيء ، ولهذا لا يتوانى عن استخدام كل وسيلة ظالمة للاستئثار بها ناسيا ان الله يمهل ولا يهمل ،وان الله سبحانه وتعالى يقيض من عباده ما يقف في وجه الظلم والظالمين.. ومنذ ان بعث الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم نبيا الى الناس كافة ، ومواكب الشهداء الابرار موصولة تحث الخطى موكبا اثر موكب.. برز في سبعينيات القرن الماضي ،
المفكر الاسلامي الكبير(المرجع الشهيد محمد باقر الصدر) تميزت حياة المرجع الشهيد القصيرة نسبيا والبالغة 47 عاما بثقافة واسعة ونظرة ثاقبة وفكر انساني اسلامي مميز ، واطلاع ثرٍ على اغلب الثقافات الاخرى، واستيعابها استيعابا كاملا ثم الرد عليها من موقع الحصين المتمكن. كان رحمه الله وعاءا فكريا خالدا متميزا بالمنهج الفكري الخاص به ، ولعل نظرة متأنية في مسيرة حياته الحافلة بالوان العلم والمعرفة واحياء الفكر الاسلامي تقدم لنا الكثير من سمات منهجه العلمي ونضاله السياسي الاسلامي الانساني الخلاق. عاش المرجع الشهيد مجاهدا ومصلحا في عصر اقتحمت فيه المادية العلمانية والماركسية وكثر المنبهرون بهذه الافكار والوانها البراقة الغريبة، وحصل حينها تراجع مخيف للافكار الاسلامية في الاوساط والطلابية، على الرغم من تقاطع هذه الافكار مع القيم والمفاهيم الانسانية التي حملتها الرسالات السماوية والتي تنبأ الشهيد الصدر بزوالها وسقوطها انذاك .
المتابع لفكر المرجع الشهيد الصدر يوضح طبيعة المنهج الذي مارسه من اجل تحقيق المعاصرة في طروحاته المختلفة والابتعاد عن الافكار البالية والقديمة ، ولا سيما انه عاصر مرحلة شهدت تحولات نوعية ، تعرض فيها الفكر الاسلامي الى العديد من التحديات الفكرية الغربية . فكانت اطروحاته نورا وطريقا تاثرت به الجماهير المظلومة واستفادت من افكاره ودروسه فيما بعد لمحاربة الافكار المنحرفة ، وبينت معالم هذه الافكار والطروحات وتاثيرها في الواقع العراقي بالعديد من الكتب والوثائق والشواهد التي خلدت ثراء فكر السيد الشهيد (قدس). منذ استيلاء البعثيين على مقاليد الحكم في العراق ، وانتفاضات الاسلاميين وتحركاتهم التحررية لم تتوقف او تخمد ، والشاهد على ذلك الظلم والاضطهاد والبطش الذي لاقته الحركة الاسلامية في العراق ، على يد اعتى ديكتاتورية في التاريخ .
واستمرت المطاردة العفلقية لقادة الحركة الاسلامية بلا هوادة، وجندت في سبيل ذلك ضعاف النفوس الاذلاء ممن تواطأ على مصير الشعب ، وصار عبداً لاهواء اسياده الطغاة من البعثيين ، ليتشجع النظام باصدار قراراعدام الدعاة سيء الصيت بتاريخ 31/3/1980 والذي نفذ بأثر رجعي حيث ينص (ينفذ هذا القرار على الجرائم المرتكبة قبل صدوره التي لم يصدر قرار احالتها على المحكمة المختصة) ، متجاوزا بذلك القرار الاعراف السائدة في القوانين حين شمل القرار المذكور على كل من تعاون او سهل مهمة او روج لافكاره دون تحديد نوع التعاون او الافكار ، فما كان النظام البائد الا ان ينفذ حكم الاعدام بالاف الصبية الابرياء ممن لم تتجاوز اعمارهم (17) عاما بحجة تعاونهم مع حزب الدعوة الاسلامية او الترويج لافكاره ، وذلك عن طريق قراءة الكتب الاسلامية المختلفة ، وحتى بسبب دخولهم المساجد والصلاة فيها ، والكثير ممن اعدموا باسباب لا يمكن تصديقها وهنا نستذكر قصة احد الشباب الجامعيون الذي استُشهدَ اثناء التعذيب الوحشي في المعتقل حين رفض الاعتراف بانتماءه الى حزب الدعوة الاسلامية او الاعتراف على اسماء تنظيمه ، فقال اخر كلمة قبل ان يودع الحياة ، اسم صباح ، فما كان من جلاوزة البعث الا ان يجمعوا صاحب هذا الاسم من كافة اقسام الجامعة وكان عددهم يربو على الخمسين شخصاً ، ويحقق معهم ليعدموا لاحقا ويدفنوا في مكان مجهول ، وهذا غيض من فيض من اجرام الطغاة ورغم المحاولات التي قام بها البعث الكافر وماكنته الاعلامية من اجل تشويه الحزب امام الراي العام الا ان جميع محاولاته باءت بالفشل الذريع وخاصة بعد ان تخبط في اعتقالاته واعداماته التي طالت الكثير من المواطنين المتعاطفين مع الحركة الاسلامية وحزب الدعوة تحديدا..
رحل الشهيد الصدر عنا بعد ان عاش حياة حافلة بالعطاء والتضحية والجهاد، وبقى عطاؤه مستمرا بعد رحيله لتستمد منه الاجيال فكره النير الانساني،وظهر جليا من خلال شهداء (الحركات الاسلامية) الذين دفعوا الدماء الطاهرة من اجل الاسلام والدفاع عنه واتخذوا ابعادا اوسع واشمل في بث الوعي الاسلامي في صفوف الامة الراقدة، التي لم تدرك حجم المؤامرات وما يحاك خلف الكواليس في سبيل امتصاص دمها ونهب خيراتها.. هؤلاء الدعاة نموذج فريد من نوعه، في هضم مفاهيم الشهادة والعطاء في سبيل قضية دفعوا من اجلها اعز ما يملك الانسان ثمنأ لعقيدتهم ودينهم فكانوا قدوة يقتدى بها ومنارا واضحا في الدرب الطويل الذي اضاء الطريق الوعر في عتمة الليل ودفعنا الى المسير في سبيل الحرية والاستقرار،فهنيئا للرجال الابطال الذين استشهدوا في سبيل الله وكانت الشهادة أمنية عزيزة ترقبوها بفارغ الصبر .
https://telegram.me/buratha