هل للشيطان ِ رأسٌ ؟ تساؤلٌ في صميم النص القرآني
قد يتساءلُ المرءُ هل توجد للشياطين رؤوسٌ حينما يقرأ قوله تعالى (إنّها شجرةٌ تخرجُ في أصلِ الجحيم طلعهُا كأنّهُ رؤوسُ الشياطينِ ) الصافات 64الجواب: لا رأسَ للشيطان على وجه الحقيقة وإنما هو تمثيلٌ وتخييلٌ ؛ لأن الشيطان مثلٌ للقبح والنفرة كما أن المَلـكَ مثلٌ للحسن والقبول.ولمّا كان الشيطان كله مستقبحا فرأسه أقبح وتشبيه الثمرة برأسه أولى للاستدارة وللتوسط في الجحيم. إن هذا التساؤل كان سبباً لتأليف أبي عبيدة معمر بن المثنى ت210 هــ لكتابه مجاز القران حينما سُئـِل في مجلس أدبي عن الآية الآنفة الذكر .... فقيل: انما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله وهذا لم يعرف عند العرب فقال: إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم وفهمهم أما سمعت قول امرئ القيس :
أيقتلني والمُشرفي مضاجعي ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ
والعربُ لم ترَ الغولَ قطّ ولمـّا كان أمر الغول يهولهم ويُخيفهم أوعدوا به. تأسيساً على ماسبق : إن الناس لم يروا الشيطان لكن ذكره يثير مكامن الخوف والقبح لديهم يقول الجاحظ ت 255 هــ : ( وليس أن الناس رأوا شيطانا قط على صورة ولكن لمّا كان الله تعالى قد جعل في طباع الأمم استقباح صورة الشيطان واستسماجه وكراهته وأجرى على ألسنتهم جميعهم ضربَ المثل في ذلك رجعَ بالإيحاش والتنفير و الإضافة والتقريع ) .
مقالةُ الجاحظ هذه لم تشفعْ له ولم تنقذهُ من امرأة رأت فيه أنه الشيطان بعينه .... حيث يروى أن امرأة أتت إلى صائغِ ٍ يهودي فقالت له: انقش صورة شيطان على هذا الليرة أو الدينار. فقال لها وما أدراني بالشيطان وكيف أنقش شيئا لم أرهُ في حياتي . فقالت له أنا آتيك بالشيطان حالاً فذهبت إلى العالم الجليل الجاحظ وقالت له تعال معي فوافقها ومَشيَا حتى بلغا الصائغ فقالت له : هذا هو الشيطان؛ لأنه كان قبيح الوجه جاحظ العينين .
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل المدرك عقليا قريبا ذهنيا للبشر بمثابة المحسوس حينما جعل للشيطان رأسا ، والذي أسهم في التقريب والإدراك هو عامل التخييل فكلنا نتخيل العنقاء حينما نفزّع بها وكلنا نتصور السعلاة حينما نهوّل بها هاتان الصورتان ماثلتان أمامنا بوصفهما منظراً مرعبا يدق على مكامن الأمن لدى السامع كما أنهما مركوزتان في النفس كونهما أداتين للخوف لا الطمأنينة فبهما وبصورة الشيطان تثار حفيظة الخوف والرعب والقبح؛ لذلك لا أحد يجزم برؤية الشيطان بصريا بقدر تصوره ذهنيا وتخيلاُ .ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يعزز لدى البشر حالة التنفير والبشاعة للشيطان وغوايته أضحى طرفا للمحاكاة التمثيلية.ومن الجدير بالذكر أن تقبيح هذه الشجرة الغريبة عن طريق جعل ثمارها رؤوسا شيطانية أعقبه استهزاء واستخفاف من المشركين الذين كانوا يضحكون من الإيعاد القرآني بذكر الزقوم فهم يرون أن الزقوم بلسان البربر هو الزبد والتمر وكانوا يقولون لجارية لهم : زقمينا ، فتأتيهم بالزبد والتمر فيقولون : هذا ما وعدنا به محمد وربّه .وهكذا نخلص إلى القول : إن طلع شجرة الزقوم لم يكن رؤوسا شيطانية حقيقة ً ولم يكن رأس أفعى فرعاء كبيرة - كما ذكر الزمخشري في تفسيره - ولا رأس نبات يخرج في اليمن يسمى الأستن له رؤوس حمراء؛ بل هو تشبيه قراني قصد إليه لغرض تقبيح صورة شجرة الزقوم من خلال استقدام طرف تشبيهي موغل في السماجة والقبح وهو رأس الشيطان............. ولا رأسَ للشيطان.
https://telegram.me/buratha