صالح الشمري
ما الذي تقوم به السعودية في القارة السمراء تحديداً؟ وهل يحتاج فقراء أفريقيا إلى تصدير الفكر الوهابي لهم أم يحتاجون إلى تصدير الطعام وإلى التنمية؟ وما هي حقيقة الاختفاء الأمريكي خلف العباءة السعودية في غزو القارة؟ إن الحقائق الجديدة القادمة من أفريقيا تقول بأن الدور السعودي السياسي والثقافي بها يتسم بقدر كبير من الغموض الذي يحتاج إلى توضيح من الخبراء. ولعل هذا الغموض يأتي من أنه يأخذ غطاءاً خيرياً في بعض الدول. فتبدو السعودية في دعمها سياسات دول أو جماعات أو حركات داخل أفريقيا وكأنها تقوم بعمل خيري. ليبدو الأمر أمامنا وكأنه لا دور. وهذا غير صحيح. فعندما نبحث فيما وراء هذا العمل السعودي سواء في دول جنوب أو شمال الصحراء الأفريقية سنكتشف أن الأهداف السياسية الأمريكية قد أتت عبر الدور السعودي الخيري أو غير الخيري في هذه البلاد.
ويبدو هذا الأمر واضحاً جلياً في العديد من البلاد الأفريقية ومنها الصومال وتشاد والسودان والسنغال وغيرها.أما الدور الثاني الذي يستقطب أو يتوسل بالفكر الوهابي للتعبير عن مصالح سياسية واقتصادية إقليمية ودولية. يظهر هذا الدور في بلاد مشتعلة بالفتن الداخلية وعلى رأسها تأتي الجزائر، ومصر في مرحلة من المراحل، والمغرب طالها هذا العنف. فهذا الإرهاب الوهابي أتى بدعم من قوة سعودية رسمية وغير رسمية لتحقيق مصالح معينة في هذه البلاد. ولنشر ثقافة أو فكر الوهابيين فكر الغلو وعدم التسامح فيها. وتؤكد الوثائق التي نشرت حديثاً أن الدور السعودي المالي والوهابي في هذه البلاد كان عاملاً من عوامل عدم الاستقرار فيها.
والجانب الثالث هو أن هذا الدور يتعانق بشكل غير مباشر مع الدور الإسرائيلي! فإسرائيل تريد موضع قدم لها في القارة الأفريقية منذ جمال عبد الناصر، هناك صراع إرادات بين الدور الإسرائيلي في المنطقة والدور القومي العربي في هذه البلاد، واستطاعت التجربة الناصرية أن تحقق انجازاً كبيراً في مجال حركات التحرر الوطني بالقارة، وأن تقيم لها شأناً، وكان لهذه الحركات مكاتب في القاهرة، وكان لمصر عبد الناصر دور عظيم في دعم تلك الحركات واستمرارها وهو ما أزعج الاستعمار الفرنسي والبريطاني في تلك البلاد.
ولكن هذه الدور الإسرائيلي عاد مرة ثانية وبقوة بعد نهاية السبعينيات وبعد خفوت الدور المصري. إن السعودية أرادت أن تحقق حضوراً في هذه البلاد لكن عبر تنسيق سري وغير مرئي. وقد ثبت من الدراسات التي نشرت حتى إسرائيلياً أنه يوجد تعاون يتم بين الدور الإسرائيلي والدور السعودي في أفريقيا! ربما ليس هناك معلومات كافية ولكن الأمر واضح.ىولنتذكر جيداً ما قام به عدنان خاشقجي المسئول المالي للأسرة السعودية الحاكمة من دور في صفقة ترحيل يهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل في الثمانينات ولنتذكر اليوم أيضاً دور (بندر بن سلطان) وصفقاته هو وأبيه مع الموساد الإسرائيلي داخل أفريقيا وخارجها.
وفي الجانب الرابع لهذا الدور السعودي أنه يستخدم أو يتوسل بمنزلة الحرمين الشريفين ورعايتهما وإدعاء حمايتهما لدى فقراء المسلمين في القارة السمراء والتي بها أغلبية مسلمة. فاستخدام الحرمين الشريفين وحماية المقدسات والحج والعمرة، كل هذا يعد من أسلحة آل سعود لاختراق هذه المجتمعات وثقافاتها بفكر وممارسات لتحقيق مصالح أمريكية ــ إسرائيلية ــ سعودية! ويعد استخدام سلاح الحرمين الشريفين من أهم وسائل السياسة السعودية في القارة الأفريقية.
وأخيراً: فإن السعودية في الآونة الأخيرة تعيش حالة عداء مكتوم ثم عداء معلن مع الآداء الليبي في القارة الأرفريقية، فالأول أياً كانت ملاحظاتنا عليه استطاع أن يستعيد ولو بشكل ما الدور الناصري في القارة، حيث استطاع القذافي من خلال الحضور السنوي لذكرى المولد النبوي الشريف ومن خلال الدعم المالي لدول جنوب الصحراء في إطار ما يسمى بالتوجه الأفريقي لليبيا؛ وأدى هذا الحضور إلى خلافات سياسية مع السعودية حيث مثل تحدياً وصراعاً مكتوماً في التنافس على القارة، وقد لاحظنا أنه عندما تتدخل ليبيا لحل إشكاليات أو لحضور سياسي في القارة تستدعي السعودية حكام تلك الدول مثلما حدث مع تشاد وتحملهم حقائب مليئة بالأموال وهم عائدون إلى بلادهم (أقرب إلى الرشوة الشخصية)!
هذه الخلفية للصراع الليبي السعودي مثّلت حافزاً من حوافز السياسة السعودية للدخول لأفريقيا. ولم ينس الملك عبد الله تلك المناظرة التي جرت بينه وبين القائد معمر القذافي في أحد مؤتمرات القمة العربية، عندما قال القذافي أن هناك دولاً لعبت دوراً في استخدام القوات الأمريكية لضرب العراق ومنها السعودية. فنطق الملك عبد الله ــ وهو لا ينطق لوجود مشكلة لديه في النطق ــ بسيل مكتوم من الشتائم، والقذافي وغيره من القادة العرب لم يفهموا منه شيئاً. فهذه الجلسة كانت محطة مهمة من الصراع الليبي السعودي وفي مستويات شتى. فمثلاً عندما طرح القذافي فكرة الفاطمية بما تعنيه من درء للفتنة السنية الشيعية، كان من الجائز أن ترد السعودية أو أي جهة عليه سياسياً وأن نختلف معه، لكن أن ترد عليه دينياً مستخدمة المؤسسة الدينية الوهابية الجاهلة والمتطرفة في السعودية فتكفر الدولة الفاطمية التي على بعد زمني يزيد على 900 عام بعد أن شبعوا تكفيراً في الواقع ثم بعد تكفير الفاطمية كفروا القذافي نفسه، فهذا كما قال الرسول (فجر في الخصومة). وعلى أية حال يمثل هذا الصراع جزءاً مهماً في تفسير الدور الغامض للسعودية في القارة الأفريقية.
تلك في تقديرنا بعض ركائز للدور السعودي الغامض في القارة الأفريقية وهي قد تساعد في إنارة جوانب من هذا الغموض المتعمد لدور سعودي إقليمي يتعانق منذ مائة عام مع دور أمريكي يريد الهيمنة على قارات العالم أجمع ومن ينكر ذلك إما جاهل بالتاريخ والواقع أو مزور لهما.
من يريد معرفة الدور السعودي المساند للمصالح الغربية ؛ ومعرفة ما يدور بالعراق والموقف السعودي ، يطلع على الموضوع اعلاه ؛ ولا يمكن فهم الموقف السعودي ما لم نطلع على احداث الخليج ودخول بريطانيا ودورها في تكوين الامارات ابتداءً من الكويت والبحرين فالسعودية ومساندتها للحوكة الوهابية وهي اداتها منذ تأسيسها واليد الضاربة لقوى التحرر بجميع القارات والمؤسس للحركات الوهابية في اوربا واسيا وغيرها عن طريق المراكز الدينية ؛ وما يدور في العراق لايخرج عن ذلك
https://telegram.me/buratha