السيد عامر الحسني
عندما تتلاحم القوى الضعيفة في لجج بحر السياسة , تكون قد بدأت باستقبال ما تقذفه المراكب والسفن العائمة من بقاياها المتهرئة , فتطفوا على السطح أجساد متعبة يبدأ كل غريق في سرد قصته المؤلمة , وكيف وصل إلى الجرف . أروي لكم قصة ضحية من البصرة قدر لها أن تنجوا من الإعدامات المرتجلة التي أعقبت الانتفاضة الشعبانية وبالتحديد في حي الحكيمية .
قال الضحية والذي بانت على جسده آثار اطلاقات نار قديمة , قام عناصر الاستخبارات بصف أبطال الانتفاضة وكنت من ضمنهم على أحد جدران المنظومة , وبعد فترة قصيرة وصل (علي حسن المجيد) على وجه السرعة بعد أن تم الاتصال به من قبل رئيس المنظومة الذي أخبره بان عدد من (الغوغائيين) قد تم القبض عليهم . جاء الكيمياوي وهو مبتهجاً يرافقه شخص عرف هو الآخر بالإجرام منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى دخول الأمريكان إلى العراق عام 2003 .
أمر الكيمياوي عناصر الاستخبارات بان يسقوا وبالقوة البعض من المجاهدين لتر من البنزين, ثم صفهم على الجدار , وبدأ بإطلاق النار عليهم بذخيرة تسمى (خارق حارق) حيث من مواصفاتها أن تكون الرصاصة مشتعلة . وبمشهد مرعب قل نظيره في عالم الإجرام بدأت أجساد الشهداء تتفجر وسط ضحكات المجيد وسلطان هاشم وذهول البعض من عناصر الاستخبارات التي لم تعتاد على هكذا قتل .
قبل سنتين بدأت محاكمة المجيد وسلطان هاشم على عدة جرائم , وتنفست عوائل الضحايا الصعداء ليروا بأم أعينهم شنق الرجلين , وأصدر القاضي حكم الإعدام بعد محاكمة أقل ما يمكن وصفها بأنها كانت فرصة لاستعراض قدرات الرجلين الكلامية والتي نالا بها من الشهداء ما نالا , وروجا مرة أخرى لحزبهما الذي قيل في وقتها بأنه أصبح محظوراً وأدرج من ضمن قائمة التنظيمات المحظورة , الأمر الذي أخبرني به أحد أصدقائي والذي أقسم يمين مغلظة بان الحظر كان في الدستور , ولم أكن أعلم به للأسف الشديد , مما جعل صديقي ينعتني بالأمي لعدم متابعتي للصحف المحلية والعالمية ودساتير الدول الديمقراطية .
لقد أعتذرت بشدة لصديقي الذي وعدته بمتابعة كل ما يتعلق بالوثائق العراقية , منذ إعلان الحكم المحلي في العراق في عهد بريمر مروراً برفض رئيس الجمهورية الطالباني على التوقيع على إعدام المجيد وسلطان هاشم ولأسباب أخلاقية تتنافى مع خلق الأكراد الذين لا يحبذون الانتقام ممن حامت حولهم الشبهات , إلى إعلان سمو رئيس وزراء العراق المفدى العاهل نوري المالكي . وفي حقيقة الأمر لم أصدق أن يعفو صديقي عني , ووعدني بإسقاط جميع التعليقات التي أصدرها بحقي إذا استمريت في متابعة جميع الأخبار .
وبعد هذه القصة تواريت مدة من الزمن , وذهبت إلى منطقة نائية , بعيداً عن ضوضاء المدينة , وألاعيب السياسة , ومر علي دهر طويل , وقررت العودة إلى دياري , سألت عن صديقي فقيل لي قد مات فتأثرت كثيراً , وشاهدت شباباً يافعين فسألتهم فتعجبوا من عدم معرفتي بهم , وعرفوني بأنفسهم , فاندهشت , لأني قد تركتهم أطفالاً صغار , ورفعت رأسي , فإذا بي أجد بان أسلاك الكهرباء الممتدة من المولدات الكهربائية المحلية قد زادت , والبيوت قد علاها الغبار , وسألتهم من الذي يتربع على كرسي رئيس الوزراء ,فقالوا بأنه شاب يافع , ولكنهم ضحكوا عندما سألتهم هل هو عربي أم كردي أم من التركمان , فقالوا انه المالكي الصغير . فصعقت من الخبر وأنا أتمتم بكلمات مع نفسي فظن الشباب باني قد جننت , فقالوا هل تريد أن تأتي معنا إلى بيت صديقنا لنشاهد محاكمة اليوم . فسألتهم من الذي سوف يحاكم , فقالوا ضاحكين (علي حسن المجيد) .
https://telegram.me/buratha