بقلم : سامي جواد كاظم
عندما فكر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بشن حرب دفاعية ضد مشركي قريش لم يتخذ القرار ارتجالي بل جمع قومه وعرض عليهم الامر فكان جواب المقداد لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ، زنال هذا الجواب استحسان ورضا الحاضرين كلهم فكانت معركة بدر كبرى . وفي معركة الخندق استشار رسول الله صلى الله عليه واله قومه في امر المشركين فكان راي سلمان المحمدي بحفر خندق وكان نعم الرأي وتم التنفيذ والانتصار في معركة الخندق بضربة الكرار لتي تعادل عبادة الثقلين.
من هاتين الرواتين نستخلص درس هو دراسة الامكانات التي تساعد القائد على القيام بثورة او معركة لغرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او الاصلاح في امة محمد ، واما ان اقتدي وبشكل عشوائي بالامام الحسين عليه السلام وواقعة الطف من غير تاني ودراسة دقيقة للقاعدة والظروف المحيطة حولنا بل وحتى من غير معرفة امكانات العدو ونعتمد على اننا على حق من غير النظر لتلك الظروف فيعد هذا غير منظم وفي الاغلب الاعم ينتج عنه خسائر بشرية وقد تؤثر على المعنوية .
قد يتخيل المرء ان الحسين عليه السلام نهض بحركته من اجل اصلاح امة جده من غير تخطيط مسبق ولا دراسة عميقة لذلك وقد لا يعلم ان الخطاب الحسيني اختلف مع اختلاف الظروف ، ولنتابع ذلك .عندما جاءته كتب القوم تطلب منه القدوم لم يجبهم الحسين عليه السلام من غير تخطيط وتعقل فقد كتب اليهم ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من حسين بن علي ، إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد ، فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم - وكانا آخر من قدم علي من رسلكم - ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم : إنه ليس علينا إمام فأقبل ، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق . وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي [ مسلم بن عقيل ] وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم .
فإن كتب إلي : أنه قد أجمع رأي ملئكم ، وذوي الفضل والحجى منكم ، على مثل ما قدمت علي به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله ، والسلام ).
بالرغم من ذلك بعث بابن عمه عليه السلام ليتاكد من مدى صدق الدعوة ، وحالما وصل مسلم بن عقيل الكوفة نزل في دار المختار بن عبيد الله الثقفي وبدأت الشيعة تاتيه مبايعة الحسين عليه السلام فبعث مسلم الى الحسين عليه السلام يخبره بالامر .
هنا قرر الحسين عليه السلام الرحيل وعند الاستفهام منه عن سبب الخروج اجاب بقوله الخالد ( ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي أردت أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر كما كان يفعل جدي وابي ) ، من هنا كان الخروج من بعد الوثوق بصدق الدعوة وتهيأ كل مستلزمات النهوض حتى يأم الذين طلبوه اماما عليهم ، وهذا يستدعي ان يرحل الى الكوفة ومعه عياله وذويه وبالرغم من ذلك فانه عليه السلام كتب كتاب الى بني هاشم (بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من الحسين بن على إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من ألحق [ لحق ] بي منكم استشهد ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام )، ورحيل العيال معه هو كما رحلت الفواطم مع علي عليه السلام بعد هجرة النبي الى المدينة وكما رحل عيال امير المؤمنين مع امير المؤمنين عليه السلام من المدينة الى كوفة عندما انتقل بالامارة اليها .الخطاب الثاني للحسين عليه السلام المختلف تماما مع خطاب الخروج هو في الثعلبية والتقائه بالحر بن يزيد قبل التحاقه بركب الحسين عليه السلام .
وبعد ان تقدم الحسين عليه السلام وصلى بالعسكرين جميعا (عسكره وعسكر الحر ) ، فلما فرغ من صلاته وثب قائما فاتكأ على قائمة سيفه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ! إنها معذرة إلى الله وإلى من حضر من المسلمين ، إني لم أقدم على هذا البلد حتى أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم أن اقدم إلينا إنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما يثق به قلبي من عهودكم ومن مواثيقكم ، دخلت معكم إلى مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي عليكم انصرفت إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم . فاجاب القوم ليس فينا من كاتبك .
دققوا في الخطاب انه ذهب للكوفة للامامة وفي حال التخلي فانه يعود الى مدينة جده وبهذا لا يكون حجة على الحسين عليه السلام بانه تخاذل عن تلبية النجدة ، اذن اين ذهب طلب الاصلاح في امة جده وبالرغم من محاولة الكثير ممن في مكة ومن التقاهم في الطرق ثنيه للعدول عن الخروج الا انه كان يأبى ذلك حيث كانت الظروف والواجب متوفران للنهوض ولكن عندما التقى بالحر اختلف الحال .هنا لرب سائل يسال لماذا لم يرجع الحسين عليه السلام حالما علم بمقتل ابن عمه مسلم عليه السلام ؟ وهنا الرجوع لا يدل على راي سديد فانه ذهب الى الكوفة وكتب القوم بجعبته وعليه لا بد من مواجهة اصحاب الكتب والاستفسار عن الحال ؟ حيث لا يجوز الحكم من غير حضور الاطراف المعنية بالامر فان مقتل مسلم ليس بالضرورة ان يكون دليل تخاذل بل قد يكون دليل تآمر من ابن زياد وان القوم على وعدهم فاذا رجع يكون للقوم والعياذ بالله حجة على الحسين عليه السلام .
وهنا نكتة لطيفة واجابة دامغة للذين يقولون ان اهل الكوفة استدعوه وقتلوه حيث لو كان اهل الكوفة كذلك لما منع الحر بامر عبيد الله بن زياد عودة الحسين عليه السلام الى مدينة جده بل طلب منه ابن زياد ان يجعجع بالحسين الى ارض قاحلة خارج الكوفة وهذا يدل على ان جيش يزيد هم الذين جعجعوه الى كربلاء .نعم هنالك من تخاذل ممن كتب له ولكن هنالك من منع من الالتحاق بالحسين وهنالك من حبسهم ابن زياد وهم الاكثرية بدليل ثورة المختار .والامر الاخر عندما عرض الحسين عليه السلام الكتب على جيش الحر قالوا له انا لم نرسل لك ، اذن بقي الحال كما هو عليه لحين الالتقاء باصحاب الكتب .
والخطاب الثالث للحسين عليه السلام هو يوم عاشوراء فكان له حديثين الاول هذا نصه ( أيها الناس ! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض ! ) لاحظوا لو قالوا له نعم لا نريدك فان الحسين عليه السلام سيصرف نظر عن سبب خروجه .وفي لقائه مع عمر بن سعد يوم العاشر قال الحسين عليه السلام لعمر وجنده : لا تعجلوا ، والله ! ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن السنة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطلت ؛ فأقدم لعل الله يصلح بك الأمة .، فأتيت فإذ كرهتم ذلك ، فأنا راجع .
لاحظوا مرة اخرى قول الحسين عليه السلام ـ فانا راجع ـ اي انه اختلف الخطاب مع اختلاف الظروف .وليلة التاسع جمع عياله واصحابه واطلعهم بالمصير المحتوم وقال (فلما كان الليل قال : هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا . ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي ، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فان القوم انما يطلبوني ) ، اما اصحابه فقال لهم عليه السلام : اذهبوا قد أذنت لكم ، قالوا : فما يقول الناس ؟ يقولون : انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن نفديك انفسنا واموالنا واهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك .اذن اطلع الحسين عليه السلام عياله واصحابه على الامر ونتائجه المحتومة .
تعالوا لواقع حالنا ولا اقصد احد ما ، حيث الملاحظ ان هنالك دعوات للثورة والتغيير من غير تخطيط يدفع ثمنها الشيعة غاليا واذ نحن لا ننكر ان اعظم الجهاد عند الله هو قول كلمة حق عند سلطان جائر وهذا يكون عند انقاذ نفس من الموت او معرفة القائل للحق عند سلطان جائر ما سيلحق به لوحده عند قوله الحق فانه سيكون بحق مجاهد وشهيد ولكن عندما يقدم من يدعي الثورية والاقتداء بالحسين عليه السلام على امر يدفع اتباعه ثمنه من غير نتيجة فان هذا لا يعد امر سليم .
عند التقاء الخميني بالسيد محسن الحكيم قدس سرهما الشريف حث الاول الثاني على اعلان الثورة ولكن بُعد النظر عند السيد الحكيم مع معايشته لتجربة الجهاد ضد الانكليز ومعرفته بالعواقب صرف نظر عن طلب الخميني قدس سره وهذا ما حصل ففي اعتداء سافر على بيت مرجعية الحكيم في مطلع السبيعينات وتلفيق تهمة من قبل محافظ بغداد في حينها على الشهيد السيد مهدي الحكيم ولا احد يثور او يندد واما تشييع جنازة السيد محسن الحكيم وحصل ما حصل من شعارات تندد بالبكر كانت نتيجتها ترك الجنازة على الارض والهرب .اما السيد الخميني فبعد ما اختبر مواليه وعلم صدق التزامهم بالثورية الحسينية اقدم على الامر وكان النصر حليفه بالرغم من التضحيات التي قدمها الثائرون .
التخطيط السليم والاقتداء الصحيح باهل بيت النبوة عليهم السلام مطلب اساسي ولابد منه حتى نثور بشكل صحيح على طواغيت الارض واذا لم تتوفر فيجب العمل على توفيرها وليس الركون الى الياس ومشاهدة الظالم يعبث بالاسلام والمسلمين فاننا مكلفون بالدفاع عن عقيدتنا والتخاذل من الصفات التي تقود بصاحبها والعياذ بالله الى جهنم ، اؤكد على التخطيط السليم وخلق قاعدة سليمة وقائد يخشى الله عز وجل فالنصر حليفهم حتى لو تطلب الامر نزول ملائكة السماء معهم حتى يبلغوا النصر المؤزر بنور عقيدة محمد واهل بيته الاطهار الميامين ، ويوم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لقريب ان شاء الله .
https://telegram.me/buratha