( بقلم : حسين المياحي )
يقال في اللغة العربية (قف شعر رأسي) وذلك عندما يداخل الإنسان أمر مهول يبلغ به إلى أعماقه، ولعل قول العامة (وقف شعر رأسي) يعود إلى هذا الأصل العربي. وما يعنينا هنا لا هذا ولا ذاك، إنما هو ما نراه من أمور مهولة منذ نيسان عام 2003 وحتى اليوم، وكلما أُغلق باب من أبواب الاحتلال وحاولنا أن نطليه بطلاء قاتم لإخفاء سوأته انفتح علينا باب آخر. وتواترت الأحداث تترى ... وتعرض الأبرياء لما تعرضوا له، وسجن من سجن، وقتل من قتل، وأهين من أهين، ورحنا نستنكر على خجل أحياناً، ونحمّل الأبرياء مسؤولية ما يحصل أحياناً أخرى، كل ذلك لإنجاح العملية السياسية التي تعتبر الملاذ الأخير لنا جميعاً.
في كل يوم من أيام الاحتلال الأسود يحصل ما يقف منه الشعر، حتى بلغ بنا الحال أن هجر الشعر رؤوسنا، ولم يعد لدينا شعرة واحدة لكي تقفَّ أو تقِف. يوماً يداهم مقر للمجلس الأعلى في مكان ما ... ويوماً تهاجم بلاك ووتر مجموعة من الأبرياء ...ويوماً يعتقل السيد عمار الحكيم نجل رئيس المجلس الأعلى والرجل الثاني في هذا التنظيم، وهو أبرز التنظيمات المؤسسة للعملية السياسية! ... ويوماً يعتقل السيد فلان وآخر الشيخ فلان من هذا التنظيم أو ذاك التيار ... وهكذا، حتى حصل ما حصل من مخاض عسير في الاتفاقية الأمنية مع الأمريكان، وكانت أشبه بأكل الميتة دفعاً للضرر.
واستبشرنا خيراً لنصوصها، خصوصاً ما يتعلق منها بالسيادة، واستقلالية القوات الأمنية العراقية في إلقاء القبض على من تريد وفق الأطر والآليات القانونية، وأن الأمريكان لا يحق لهم اعتقال أي شخص إلا بالتنسيق مع القوات العراقية وبطلب منها. ووسط غضب الأصدقاء وشماتة الأعداء تم توقيع الاتفاقية والمصادقة عليها. ولكن ... هل يحق لنا اليوم أن نراجع حساباتنا لنقف موقفاً يتناسب مع عقيدتنا ومبادئنا وما تمليه علينا التزاماتنا الوطنية؟ وهل ينبغي علينا أن ننتبه إلى ما يدور حولنا من خروقات متتالية لهذه الاتفاقية ؟ لاحظوا السيناريو الذي وضعته قوات الاحتلال لتهريب الدايني إلى جهة مجهولة (كما هربت أيهم السامرائي من قبل) وليس من أحد يجهل أن الدايني مُلىء إجراماً من قرنه إلى قدمه، بل إن كلمة (مجرم) لم تعد كافية لتوصيفه. لقد تحول الدايني إلى (سوبرمان) كما كان أيهم السامرائي (سندباد) وعبد الناصر الجنابي (علي بابا) وفلان وفلان إلى (رامبو) وهكذا.
وأخيراً ، وبعد أن استغاث أهالي ديالى وطالت استغاثتهم من ذيول الدايني والجنابي وأمثالهم، جاءهم الغوث على عجل، ودخلت القوات الأمريكية مقر المجلس الأعلى لتعتقل المجاهد أبا أحمد الخالصي وتقتل من تقتل وتعود أدراجها دون أدنى رعاية للأطر القانونية التي نصت عليها القوانين العراقية أو بنود الاتفاقية المذكورة. والأسئلة الملحة اليوم: ما هو موقف الحكومة العراقية المعنية أولاً بتطبيق الاتفاقية؟ بل ما قيمة الحكومة أمام هذه المهزلة ؟ أين القنوات السياسية والإعلامية من هذا الحدث؟ ولماذا هذا الصمت الحكومي الرسمي المطبق؟ وهل أن الحكومة تتعامل مع القضية في إطارها الحزبي فتغض الطرف عما يحدث لإضعاف طرف آخر منافس؟ ثم هل يكتفي الأمريكان بما حصل ويحصل؟
مهما شرقنا أو غربنا فإننا لا نستطيع أن نفسر صمت الحكومة عما يجري، إلا أن تكون راضية أو ممالئة. سيما أنها اليوم تنبطح إلى أبعد الحدود لإعادة (خنازير) البعثيين إلى (الحظيرة) . خلاصة الكلام أننا لم نحصل من الاتفاقية لحد الآن إلا على حماية الإرهابيين والبعثيين (الدايني وأمثاله) ومطاردة شرفاء العراقيين ممن قضوا أعمارهم في مواجهة النظام. فهل نعيد النظر في خياراتنا أو أنه الخيار الأخير فلا خيار؟
https://telegram.me/buratha