الدكتور يوسف السعيدي
تتعدد الأوجه، وتختلف الوسائل، والنتيجة واحدة، هي أن الإرهابيين ومنظّماتهم يريدون تحويل حياة الناس إلى جحيم، وتغيير المجتمعات وفق معتقداتهم ورؤيتهم التكفيرية. منذ أن ضَيَّق العالم عليهم الحصار لجأوا إلى الخداع والحيل "الاستغلالية" عبر استخدام الضعفاء والنساء والأطفال والمعوّقين والمختلين عقلياً في تنفيذ عمليات انتحارية.
في احد الايام فجّرت "القاعدة" سوقاً شعبية في بغداد بواسطة ريموت كونترول، مستغلة ظروف امرأتين عراقيتين "متخلِّفتين عقلياً" - كما ورد في التقارير والأخبار - إذ ربطوا بهما أحزمة ناسفة وأرسلوهما إلى داخل السوق ثم ضغطوا الزر لينفجر المكان، ويذهب ضحية الانفجار 73 مدنياً بريئاً. وقبل فترة، فجّر صبي انتحاري يلبس زي امرأة مركزاً للشرطة الجزائرية. يعشقون القتل، إذ باتوا لا يتورعون عن استخدام أطفال يتوشحون البراءة كأدوات تفجيرية لتنفيذ عمليات انتحارية. من أكبر مخططاتهم الشريرة "الفاشلة"، استغلال مجموعة شقة الخالدية "الإرهابية" في مكة المكرمة في أيار (مايو) 2003 المكونة من صغار سن، لعدم إدراكهم لما كانوا ينوون القيام به، بعد ان فخّخوا المصاحف وحملوا السلاح "مكفرين" أهليهم وكل من حولهم كمثال "صارخ" على العبث باسم الدين الذي يحرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
الإرهابيون يعانون من امراض نفسية وانفصام في الشخصية، ويعيشون مرحلة فقدان العقل وعدم القدرة على تقويم الأفعال والسلوك، وهو ما جعلهم يرهنون إرادتهم وإجسادهم لعقل آخر "شيطاني" يفعل بها ما يشاء.ليس غريباً أن نشاهد ونقرأ عن ممارسات "شاذة" للإرهابيين مثل استغلال النساء والأطفال في عمليات التفجير، وتنفيذ عمليات انتحارية "انتقامية" وسط حشود من المدنيين الأبرياء، من دون تمييز بين بشر وشجر وطير وحجر.خلال شهر واحد في العراق قامت نسوة بتنفيذ أكثر من خمس عمليات انتحارية، وهن يرتدين عبوات ناسفة، إذ راح ضحية تلك العمليات مئات الأبرياء وأصيب المئات، جلهم فقد يده أو رجله أو بات "مشوهاً".
اعتمدت المجموعات الإرهابية على الأطفال في توفير بعض الخدمات لها، عبر إغرائهم حيناً وتهديدهم حيناً آخر، إذ استغلت بعضهم عبر التلويح بقطع رؤوسهم كما يصور ذلك فيلم صُوَّر في العراق وانتشر عبر الانترنت أخيراً، أو استغلالهم نتيجة جهل من أهاليهم أو تعاطف "بريء" مع ما يمر به الشعبان العراقي والفلسطيني من ممارسات إجرامية "لا إنسانية"، إلا أن "المخيف" هو انتشار ظاهرة النساء الانتحاريات واستخدامهن من جانب التنظيمات الإرهابية، خصوصاً بعد تضييق الخناق عليها أمنياً. يعلم الارهابيون أن اختراق إجراءات الأمن ونقاط التفتيش لن يكون سهلاً إلا عبر استخدام نساء وأطفال، خصوصاً أن نظرة الشك في المجتمعات العربية تتلاشى عندما يتعلق الأمر بعبور طفل أو امرأة، وهو ما منح الإرهابيين فرصة اختراق الحواجز، ما فاقم الظروف الأمنية والإنسانية وبث الرعب والخوف في قلوب الناس.
قبل فترة تداولت وسائل الإعلام قصة الطفل الأفغاني جمعة، ذي السبع سنوات، وقصته كما يروي: "عندما وضعوا الحزام للمرة الأولى على جسدي، لم أعرف بماذا أفكر، ولكنني لمست بعدئذ القنبلة"، ويضيف أنه ضُلَّل لارتداء الحزام الناسف من جانب متمرد من طالبان في أفغانستان، وأبلغه المتمرد أنه إذا ضغط على فتيل التفجير "فسيطلق الزهور"، وعندما أدرك جمعة حقيقة الحزام أبلغ قوات الأمن الأفغانية.
مَنْ نصَّبهم "أوصياء" على الأمة الإسلامية؟ لقد نصَّبوا أنفسهم أهل علم وفتوى. وأعلنوا انهم مدافعون عن الدين الإسلامي، فقتلوا المسلم وزرعوا الفتنة ونشروا الرعب في ديار العرب والمسلمين وغيرهم. شوّهوا صورة الإسلام ويُسْره وسماحته عبر نحر الرؤوس واغتيال الأبرياء. كثيرون ماتوا بفعل أعمالهم وهم يختبئون في الكهوف و "يتزينون" بعباءات نسائية. بنوا دولتهم "الخيالية" على أشلاء الأبرياء، ووزعوا سياسة القتل والتنكيل والتفجير والتدمير. يعملون بسوء النوايا، إذ خدعوا النساء وغرّروا بالأطفال، وحوّلوا عقولاً بريئة إلى "تكفيرية"، وحوّلوا أجساداً بريئة إلى "انتحارية"، تُلفُّ حول معصمها أحزمة ناسفة مكتوب عليها "الموت للجميع". إن استخدام النساء والأطفال في العمليات الانتحارية أكبر دليل فاضح على "وحشية" و "إجرامية" تفكير تلك المنظمات الإرهابية في التعامل مع كل من حولها برغبة انتشار دوامة العنف وسفك الدماء.
https://telegram.me/buratha