بقلم : سامي جواد كاظم
هنالك الفاظ يكون معناها مجازي وهذا المجاز ياتي من حالة او صفة رافقت الكلمة وعلى سبيل المثال عندما يقال فلان فرعون او انه تفرعن وهذه الكلمة اصلها فرعون ولان فرعون طغى وظلم فكل من يطغي ويظلم يقال عنه تفرعن ، وهذا الامر ينطبق على حالات كثيرة مثلا تشيع او تحنف او تسنن وهكذا . وفي العراق نشات حالة على غرار حالة فرعون الا وهي البعثية فان حزب البعث منذ ان تغلغل في الساحة العراقية وهو يعبث في الارض فسادا وكانت باكورة استهتاره وظلمه وقمعه هي العقود الثلاثة والنصف التي حكموا بها العراق ، واصبح كل مسؤول ظالم وطاغي في العراق اليوم يقال عنه بعثي .
الصفة الرائدة والملاصقة للبعث هي الغدر ولو تمعنا في الصفحات السوداء لحزب البعث لوجدنا مئات الحالات التي غدر بها البعث ومنها على سبيل المثال قيام عبد السلام عارف اثناء ثورة عبد الكريم قاسم باعدام ملك فيصل الثاني وعائلته ومن ثم غدره بالزعيم واعدامه هذا عندما كان بعثي ، واخر غدرة قام بها هو غدره بالبعثيين رفاقه .
غدر حماد شهاب والبكر بعبد الرحمن عارف وقيام مؤامرتهم في 17 تموز واستكمل صدام الغدر في 30 تموز بطرد عبد الرزاق النايف ومن ثم تصفيته خارج العراق مع تواطؤ الانكليز معه ، غدرهم بالاكراد بعد بيان 11 اذار عام 1970 ، غدره بالمرجعية الشيعية بعد ما تعهد للسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد الصدر (قدس ) على ان يترك الحرية للعراقيين في الانتماء الى حزب البعث بعد ما كان يجبرهم على ذلك وعلى اثرها افتى الصدر بتحريم الانتماء لحزب البعث وكانت غدرة البعث في الانتفاضة الصفرية عام1977 ، غدره بالشيوعية عام 74 بعد اعلان الميثاق ، غدره بالبكر وارغامه على الاستقالة بعد رفض البكر لمؤامرة الحرب على ايران من قبل ملك فهد حيث عرض عليه وهو يؤدي مراسم الحج باشعال الحرب على ايران والتمويل من السعودية والكويت فرفض ذلك وكان هذا العرض بحضور طارق حمد العبد الله حتى ان البكر غادر السعودية من غير توديع رسمي ، وعند تنفيذ الغدر من قبل صدام خير طارق حمد العبد الله الذي كان رئيس ديوان الرئاسة في حينها بين الاعدام وتشريد عائلته او الانتحار وحفظ عائلته فاختار الانتحار ، وبالرغم من ذلك اغتال البكر ، واما رفاق صدام البعثيين فالغدر بهم وغدرهم بغيرهم حصل من ذلك الكثير وفي جعبة حسن العلوي اغلبها ولكنه لا يفصح عنها.
هذه الثقافة تعد الاساس في ترقية البعثي بعد ارغامه على الانتماء وحجب الامتيازات عن كل من لم ينتمي ومن هنا يمكننا تقسيم الحالة الانتمائية للشعب العراقي الى اربع اشكال ، منهم من لم ينتمي بتاتا ومهما كانت المغريات وعليه فقد اعدم الاكثرية وبقي الاقلية ، ومنهم من انتمى لغرض المصلحة وحفظ النفس وهم كما يقال الغالبية ومنهم انتمى ليدفع الظلم بما يقدر عليه وهؤلاء القلة القليلة ، ومنهم من انتمى للتسلط والظلم بل والتفنن في الغدر والاغتيال .
واليوم بعد السقوط ومع استحداث بريمر لهيئة باسم اجتثاث البعث فقد اثارت اللغط والنقاشات هذه الهيئة وكيفية عملها ، وان كان العراقيون لا يبالون بالهيئة لان الاجتثاث كامن في نفوسهم للتخلص من البعث البغيض ، وبعد التي والتيا استبدل الاسم الى المساءلة والعدالة وان كان لا خلاف بينهما المهم توسط هذا المصالحة .المصالحة لا بد لها من معايير دقيقة وان كان لا موجب لها اذا ما علمنا البعثية الذين يراد لهم الصلح .الصلح مع من لا ينتمي هذا مستبعد ، اذن بقي لدينا الاشكال الثلاثة الاخرى ومما لا شك فيه البعثي الذي دفع مظلمة عن عراقي لا يشمله الاجتثاث بل انا اعرف الكثير منهم وهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وسط تقدير كل من يعرف تاريخه ، ولعل السيد يوسف الحبوبي خير دليل على ذلك .
واما الذين انتموا لمصلحة يبغوها فليسوا الكل كانوا كذلك بل انحرف الكثير منهم عندما راوا الاغراءات البعثية لهم من منصب ومال وبدأوا يمارسون مهنتهم الا وهي الغدر وصيغتها التقارير التي ترفع على جارهم او حتى ذويهم ، هذا الشكل قد تم تصفية البعض منهم من قبل مليشيات تصرفت بشكل فردي الا انها حسبت على بعض التيارات اما التيارات الاسلامية المتمسكة بخط المرجعية فقد التزمت بفتوى السيد السيستاني التي تحرم القتل العشوائي من غير محاكمة قانونية وشرعية .
اما البعثيون الذين لم يظلموا احد ولم يساعدوا احد فهؤلاء اصبحوا معرضين للاغتيال اما من قبل البعثيين او كارهي البعثيين ، فعصابات البعث قامت بتصفية البعض منهم على اعتبار انهم في السراء معهم وفي الضراء تخلوا عنهم وهذا ادى الى اختفائهم اما داخل العراق او خارجه .واما الشكل الاجرامي الرابع فان الذي تمكن الهرب او الاختفاء قام بتنظيم مجاميع مسلحة ارهابية عبثت في البلاد ايما عبث ، وهؤلاء لا يمكن للمصالحة ان تتم معهم بالرغم من تناقل الاخبار عن التفاوض معهم .
البعثي الذي لم تتلطخ يده بدماء العراقيين هو يرفض الصلح لانه لم يفعل ما يخشى منه ولكن البعثي الذي مارس الاجرام واعتزل ذلك بعد السقوط فانه هو الاخر يرفض الصلح لانه طالما صفته الغدر فانه يتهم الطرف الاخر بالغدر ومن ثم لو اريد للدولة ان تتصالح معه فما هي صيغة المصالحة ؟ هل يعود لمنصبه ام تلغى العقوبات التي يستحقها ؟
واما البعثيون الذين تورطوا بدماء العراقيين حتى هذه الساعة فالصلح معهم يكون على أي اساس ؟ ولو نفرض جدلا يصح ذلك فلماذا لم يكن منذ السقوط حتى نتجنب الدماء التي سالت والارواح التي زهقت ، واليوم لو اريد للصلح ان يتم فما هي الظروف التي ادت الى ذلك ؟ وما هي الاجندة لدى الطرفين التي يتم التسلح بها حتى يفرض كل طرف رايه على الاخر ؟
فلو كانت الدولة تتفاوض من مبدأ القوة فالطرف الاخر لا زال يعتقد انه الاقوى اذن من سعى لهذه المصالحة ؟ ولو قيل دول اجنبية وعربية هنا تكون الحكومة امام امتحان سياسي بحيث لابد لها من اظهار براعتها في اتخاذ القرار المناسب في التملص من الضغوطات والمصالحة معا ، نعم قد لا تستطيع ان تفصح عن ذلك الان وقد تظهر النتائج مستقبلا ، الا ان المواطن العراقي بدأ يقلق عندما يشاهد بعض المجرمين وهم يتمتعون بمناصب حكومية من غير رادع ولعل استغاثة احد العاملين في وزارة الثقافة لهي خير دليل على تواجد البعثيين الارهابيين في دوائر الدولة . صفة الغدر سوف تبقى حاضرة مهما تعهدت الحكومة للطرف الاخر بالضمان والامان .
https://telegram.me/buratha