المقالات

دعوهم يرقدون بسلام...ادباؤنا في ذمة الخلود

1232 16:02:00 2009-03-18

الدكتور يوسف السعيدي

منذ مدة ومصادر اعلامية تردد نية الحكومة العراقية بالاهتمام (أخيراً) بالقطاع الثقافي في العراق والاحتفاء ببعض رموزه الثقافية كما لوحظ من عناوين مهرجانات المحافظات وليس هذا مغزى الحديث. وانما التركيز على شاعر العرب الأكبر أو آخر شعراء الكلاسية المحدثة بتصنيف أدق، الخالد الذكر محمد مهدي الجواهري ودعاوى نقل جثمانه إلى العراق وذلك بعد قرابة عشر سنين على رحيله. وهو القائل ..

حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير.. يا أم البساتين

يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه على الكراهة بين الحين والحين

وددت ذاك الشراع الغرّ لو كفني يحاك منه غداة البين يطويني

لقد عاش الشاعر الكبير متنقلاً بين المنافي منذ سبعينيات القرن الماضي، بل قبل ذلك، ووجد مقاما واحتفاء في أرض غوطة (دمشق) التي كانت موئلاً ومقاماً لكثير من أبناء العراق ورموزه الخالدة. وقد ثوى أديم الغوطة جثامين عراقيين كثيرين دون أن تتبرع الحكومة بمترين من أرض لأحدهم، باعتبار أن أرض البلاد وفضاءها طابو صرف لمن يحكمها. وما زالت هذه العقلية هي السائدة، ولا منفذ للوطن بغير الولاء لولاته. ولا يزال من يتوفى في الخارج يلزمه تصريح رئاسي لدخول بلده ميتا. وهذه أحد المسائل الحساسة والدقيقة التي ما زالت تعالج بشكل شخصي وحالات منفردة دون أن يصار إلى استصدار قانون صريح وواضح يعالج هذه الحالات الانسانية. ان نقل قبر الجواهري بعد مقاربة عقد على وفاته ليس سوى مسألة رمزية على الصعيد الشخصي والعائلي، ولكنها تسجل مكسباً سياسياً كبيراً للحكومة على أنه تقدير للأدباء. من حقنا أن نتساءل لماذا الجواهري تحديداً وليس البياتي أو غيرهم. وهل تعالج الأمور حسب التبعية الطائفية أو السياسية حتى بعد الموت. وهل كان الجواهري طائفياً في فكره أو شعره أو شعوره وسلوكه. أعتقد أنه لو كان حيا لرفض بشدة هذا التصنيف والنظرة الضيقة.

ان البلاد التي احتضنت الجواهري والبياتي وسواهم قادرة على احتضان جثامينهم، وعلينا جميعاً الاعتراف والتقدير في هذا المجال. ومقبرة العراقيين في دمشق أحد المعالم والشواهد التي ينبغي أن تبقى دالة على الطغيان والتشرد العراقي، بعيداً عن أيدي التزوير والتلاعب ومسخ الحقائق. تماماً مثل المقابر الجماعية ومراكز الاعتقال والتعذيب والتصفية الموروثة والحالية، فللتاريخ حرمته ولسانه.

وإذا أريد تكريم وتقدير الجواهري أو غيره من المنفيين والمهجرين، فيمكن البحث عن وسائل وأساليب أخرى، في صور.. نصب أو مقام أو متحف أو مكتبة أو مركز ثقافي أو جامعة أو شارع أو مدينة وغير ذلك. ان هوية العراق هي ثقافته، ورفعة الثقافة بتكريم رموزها وصناعها. أن غوته وشيللر وأدلبرت شتفتر ألمان أو تشيك ولكن لهم ساحات وتماثيل ومكتبات وشوارع باسمهم في غير مدينة نمساوية. ونحن بحاجة إلى تكريس تقاليد جديدة في الشارع والمدرسة والمكتبة والمقهى، ليتعرف كل فرد منذ صغره إلى رموز بلده ، وهذا يعني عدم الاقتصار على أسم محدد وفق مبررات معينة وانما اطلاق التقليد وبدون مواصفات سياسية أو غير سياسية. وهنا يبدو ما جرى للشاعر يوسف الصائغ أمراً محزناً ومخجلاً لما يثيره من حساسيات وأمور جانبية، كنا نتمنى أن يكون المسؤول أكثر وعيا لها، ودون الحاجة لاصدار التبريرات.

...

وعلى هامش هذا الموضوع أودّ التذكير أو لفت الانتباه إلى معاناة عدد غير قليل من رموزنا الثقافية والعلمية والفنية من كبار السن الأحياء.. الذين تجاوزا الثمانين أو السبعين أو الستين، وهم يكابدون أعراض الشيخوخة والمرض في بلدان الغربة والوحشة والعوز النفسي والاجتماعي، وأحسب أن رعاية أولئك وتسهيل أمور عودتهم إلى وطنهم وإحاطتهم بالرعاية والخدمة وطباعة ونشر أعمالهم وجهودهم الفكرية أكثر جدوى من تكريمهم بعد موتهم أو نقل جثامينهم. وفي مقدمة أولئك شاعرتنا الكبيرة نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وزكي الجابر وفيصل حسون ويوسف عزالدين وأسماء كثيرة ومبدعة أخرى تتوزعها الوحشة والمرض والمنافي. وما أحوجنا في هذا الزمن الصعب واليأس المدقع إلى ممارسات مشرقة وقرارات إنسانية تعيد بعض البهاء والطمأنينة لعراق يتلاشى يوما بعد يوم.. وراء أفق مجهول.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك