بقلم الكوفـــــــــي
عندما كنت في سجن ابي غريب وتحديدا في سنة 1983 جاء خبر اعدام اخي عن طريق مجموعة من الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد واودعوا في الاقسام المغلقة التي كنت موجودا فيها في قسم الاحكام الخاصة الاقسام المغلقة ، بالطبع الخبر لن يصلني بالشكل المباشر وانما وصل لمجموعة من السجناء الموجودون في نفس القسم ، اتفق الاخوة السجناء على ان يتكتموا على الخبر مراعاة لمشاعري وعليهم ان يجدوا الطريقة الامثل لاخباري وبقوا على هذا الحال لفترة طويلة حتى فاتحني احد الاخوة من السجناء وسألني حينها عن اخبار اخي وهل لدي اي معلومات عنه فعرفت حينها انه يريد ان يخبرني بشيء ما فبادرته ان كان لديه خبر استشهاده فهذا يشعرني بالسعادة والفرحة لانه حصل على اثمن شيء في الوجود الا وهو الشهادة في سبيل الله وعلى يد اقذر ما خلق الله ،
عندما سمع هذا الكلام مني قال لي هنيئا لك استشهاد اخاك الاصغر فحمدت الله واثنيت عليه ورفضت ان اتقبل التعازي حينها وقبلت ان يبارك لي في اخي ، لقد وصلني خبر استشهاده لكن هل وصل هذا الخبر لامه وابيه واخوته هذا ما لا اعرفه لاننا كنا معزولين عن العالم بشكل كامل ، بعد مضي سبعة سنوات على هذا الحال سمحت الطغمة العفلقية المجرمة لنا بلقاء اهلنا واحبتنا وحدث ما حدث حينها من مأساة فالاب لا يعرف ابنه والام تلتفت يمينا وشمالنا وهي تنادي ولدي فلان وهو امامها وهي لاتعرفة بعد هذه السنين العجاف وحصلت العشرات من حالات الاغماء واعتلى صوت البكاء والنحيب ،
كنت افكر حينها عندما التقي اهلي ماذا سأقول لهم وهل لديهم اخبار عن اخي وربما استلموا جثته وواروه الثرى وربما لايعرفون عنه اي شيء يذكر ، سمح بالدخول لثلاث اشخاص فقط من عائلتي علما ان الجميع حضروا رغم ابلاغهم من قبل الجهات الامنية بان يحضر ثلاث لا اكثر وفعلا دخل ثلاث ابي وامي واخي الكبير ، بالطبع عندما رأيتهم جاشت المشاعر وتعالت اصوات البكاء والنحيب امام انظار الزمرة الاجارمية الصدامية وبعد ان هدئت النفوس بدى الحديث عن وضعنا داخل السجن وكيف نقضي اوقاتنا وهل نتعرض للتعذيب وووو الخ ، لم يتعرض احد لذكر اخي فبادرتهم بالسؤال هل لديكم اخبار عن اخي فهمست والدتي بصوت خافت وهي تتلفت يمينا وشمالا وقالت لي ان اخاك في ايران والحمد لله جائتنا اخباره وهو بخير وبدت تشرح لي كيف وصل خبر اخي ومن اوصل لها الاخبار وهي مطمئنة عليه خصوصا بعد ان اخبرهم شخص انه قد سمعه من خلال الراديو وهو يسلم على اهله ، سألت اخي الكبير فيما تقوله امي فقال لي لا عليك الحمد لله انها سعيدة بهذه الاخبار ،
قلت له هل لديكم اخبار غير هذه قال لي لايوجد اي خبر وما ذكروه انه في ايران خبر عار عن الصحة ونحن لانريد ان نصدم امنا بان الاخبار كلها غير صحيحة بالمرة ، قلت في نفسي ربما هذه المرة الاخيرة التي اراهم فيها وعلي ان اخبرهم بالحقيقة لكن اخبر من فامي مطمئنة انه على قيد الحياة وموجود في ايران وابي لايدري ماذا يحدث فقررت حينها الانفراد باخي الكبير وابلاغه بالحقيقة ولو لا شخصيته القوية وايمانه بالقضاء والقدر لما اخبرته بذلك ، فهمست في اذنه بالحقيقة وقلت له ان اخاك قد اعدم في 17 تموز من عام 1983 تحديدا فقال لي لا تذكر هذا الكلام لاحد غيري على الاطلاق فالجميع يظن انه موجود وبالخصوص والدتي فدعها تعيش على هذا الامل ،
مضت الايام والشهور والسنوات وتم اطلاق سراحنا وبعد ان يئست والدتي والجميع ابلغها اخي الكبير ان تقطع الظن به وعندما سألته لماذا ابلغها بانه في الجنان وحصل على الشهادة وهذا وسام لنا نفتخر به ولله الحمد تحملت الصدمة واحتسبت ذلك في عين الله ، بعد ان سقط النظام العفلقي الصدامي المجرم بحث الجميع عن شهدائهم في المقابر الجماعية كما بحث اخوتي عن اخاهم فلم يجدوا له اثرا يذكر ، في الختام اقول لمن يريد المصالحة مع المجرمون القتلة ( ارجعوا لي رفات اخي ) ثم تصالحوا مع البعثية .
https://telegram.me/buratha