بقلم : الشيخ محمد الحسين
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس )لقد دعتنا الأحداث الأخيرة في بلادنا الحبيبة والتي تمثلت في الاعتداء الآثم على زوار الحرم النبوي الشريف و بقيع الغرقد وما تلاها من انتفاضة شعبية غاضبة شملت عددا من مدن وبلدات المنطقة الشرقية دعتنا لضرورة نقد ذواتنا و مراجعة نقاط الضعف والقوة في كياننا و للخطاب السياسي المطروح على الساحة الداخلية والتعاطي مع الأزمة الذي تبناه بعض وجوه القوم الذين تصدوا لعلاج تداعيات هذه الأزمة التي شكلت منعطفا جديدا واستثنائيا في تاريخ شعبنا مع النظام الحاكم .
أولاً : أننا كنا دائما ننطلق في معالجة قضايانا مع السلطة من موقع ردود الفعل تجاه الممارسات التي يباغتنا النظام بها فنسعى لعلاج إفرازات وتداعيات تلك الممارسات دون أن نفكر في الانطلاق من موقع المبادرات لنجعل مطالبنا علاجاً و حلاً أساسيا للأزمة الرئيسية موضع النزاع وهذا ما حدث في لقاء الوفد الشيعي مع محمد بن نايف ، فلم نفكر في أن نستفيد من المتغيرات الإقليمية و العالمية التي غيرت خارطة المنطقة و قلبت معادلات القوى في الدفع بأنفسنا لرفع سقف المطالب.
فلو سلمنا جدلا أن مشكلتنا تكمن في ممارسات الهيئة بمعزل عن تواطؤ النظام معها فلام يجوز أن نعتبر أن ما حدث في البقيع بداية للمشكلة مع تلك الهيئة حتى يتم معالجة تداعيات هذه القضية و ما أعقبها من أحداث دون التعرض لتاريخ الهيئة الأسود ولملفات ساخنة ملحة لا زالت مفتوحة برسم البت فيها من قبل أجهزة النظام القضائية و إن حاول النظام إغلاقها و تغييبها في عالم النسيان كقضية المواطن المظلوم الشهيد الحاج احمد الملبلب الذي قضى على يد الهيئة ، إلا أن مشكلتنا الحقيقية مع النظام الحاكم نفسه ، فهل كلف المخلصون بين أعضاء الوفد أنفسهم أن يبحثوا بجد و إصرار قضية معتقلينا و على رأسهم التسعة المنسيين الذين مضى على اعتقالهم ثلاثة عشر عاما ظلما وعدوانا ، أو هل كلفوا أنفسهم ليطالبوا بجسد الشهيد المواطن محمد حسن الحايك الذي قتل داخل السجن على أثر التعذيب الوحشي على أيدي رجال وزارة الداخلية من غير ذنب قد اقترفه ، ثم لم تسلم جثته حتى الآن لأهله ؟! وهل ... وهل ... والقائمة تطول.
نأمل أن يكون الأفاضل المخلصون من الوفد الشيعي قد تقدموا بمطالب جوهرية تمس الوجود الشيعي ومستقبله ، وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليهم أن يعلنوا هذه المطالب التي قيل أنها طرحت بالتفصيل لأبناء شعبنا و يخبروهم بردود وزارة الداخلية عليها لكي يتحقق الشعب من مصداقية وجدية النظام في تنفيذها ، وما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق ، ثم إن المطالب الرئيسية التي قيل أنها طرحت كان يجب أن تطرح و تناقش مع صاحب القرار الأول في هذا البلد لا مع نائب وزير الداخلية وخاصة بالنظر إلى حجم الوفد الشيعي كما ونوعا ، وهذا ما كان يجب أن يصر عليه الوفد حفاظا على اعتبارهم ومكانتهم ، ولكن يأبى (الملك المحبوب) إلا أن يذلهم ويهينهم حتى عند الاستجابة لبعض المطالب البسيطة حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور بن سلطان التركي لصحيفة الوطن " أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين تأتي امتداداً لمكرمات ولاة الأمر حيث سبق وأن وجه وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز بإطلاق سراح الأحداث الموقوفين" .
من الأسس والمرتكزات التي يجب أن نبني عليها قراراتنا ومواقفنا و تحركنا السياسي هي عدم الفصل والتمييز بين النظام السياسي و أصحاب القرار فيه وبين أجهزته التنفيذية و الأمنية و الدينية ، فليس هناك من ممارسة أو إجراء أو قرار يتم تنفيذه في هذا البلد من غير تنسيق وإطلاع و قرار من قبل الجهات العليا ، وهذه هي الحقيقة التي يصر البعض على تجاهلها وبناء مواقفهم و تحليلاتهم لمجريات الأحداث في هذا البلد على خلافها ، وهنا تستوقفني كلمة مهمة وعميقة سمعتها مباشرة من العلامة الجليل السيد مرتضى العسكري رحمه الله عندما كنت في خدمته وهي : (( إنني ومن خلال تتبعي للتاريخ وسير الأنظمة السياسية الغابرة والمعاصرة لم أجد نظاما سياسيا يشبه في سياساته و ممارساته معاوية بن أبي سفيان كنظام آل سعود )) نعم فقد نجح معاوية في نقل المعركة بين المسلمين و أعدائهم و جعلها تدور بينهم ليكون هو المستفيد ، كما هو حال آل سعود الذين حولوا المعركة المركزية بين المسلمين وأعدائهم المعاصرين فجعلوها معارك و فتن ومؤامرات طائفية ، وقد طوع معاوية الإسلام ليتلاءم مع أعماله ورغباته وأظهر نفسه خادما للشريعة وحارسا عليها ليتجنب الصدام والصراع المباشر و المواجهة الصريحة مع المسلمين ، فقد روي عن زياد بن أبيه قوله (( ما غلبني أمير المؤمنين معاوية قط إلا في أمر واحد ، طلبت رجلا من عمالي كسر علي الخراج ، فلجأ إليه ، فكتبت إليه أن هذا فساد عملي و عملك ، فكتب لي ، أنه لا ينبغي لنا أن نسوس الناس سياسة واحدة ، لا نلين جميعا فيمرح الناس في المعصية و لا نشد جميعا فنحمل الناس على المالك ، ولكن تكون أنت للشدة والفظاظة و الغلظة و أكون أنا للرأفة و الرحمة )) ، ومن تتبع صفحات تاريخ هذا الماكر لوجد كثيرا من المشتركات بينه وبين هذا النظام .
كان يجب على الوفد القاصد إلى الرياض أن يستثمر ويستفيد من غليان الشارع والاحتجاجات الشعبية كعامل قوة وكعمق إستراتيجي في الضغط على النظام ليستجيب للحقوق المسلوبة من منطلق العزة والرفعة والشموخ وكان عليهم أن يُلجئوا النظام لإيفاد الوفود للقائهم والتباحث معهم من خلال استثمار حماس و شجاعة وقدرة الشعب الصادق الحي الذي نزل إلى الشوارع غضبا واعتراضاً لا أن يعمل على التنازل عن عناصر قوته و يقدمها للنظام منحة سخية دون مقابل . لا أدري ما الذي حل بهذا البلد وبعض رجالاته ، فالشعوب الحية والقادة الواعون يسعون لكسب عناصر القوة والمنعة لهم ولشعوبهم ليكون زمام أمرهم وتقرير مصيرهم بأيديهم لا بأيدي أعدائهم بينما يسعون هم لتقديم كل تلك المكتسبات لسالبي حقوقنا وهذا ما يجعلني في هذا السياق أسترجع ما دونه القائمون على إصدار ( عريضة شركاء في الوطن )التي وقع عليها حوالي 450 شخصية شيعية بتاريخ 30 أبريل/ 2003 لأقف على خطأ سياسي وتاريخي خطير من بين أخطاء واشتباهات كثيرة وكبيرة في هذه العريضة لسنا بصدد التعرض لذكرها الآن ، لا أعلم إذا كان المدونون والموقعون على تلك العريضة يعون ويدركون أبعاد ذلك الخطأ و آثاره الخطيرة على مستقبل الشعب والكيان الديني لأتباع أهل البيت عليهم السلام ، وهذا الخطأ يتمثل في النص التالي من العريضة :( استحداث جهة رسمية تابعة إداريا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على غرار محكمة الأوقاف والمواريث التابعة لوزارة العدل ، وتكون هذه الجهة بإدارة علماء من الشيعة لتنظيم شؤونهم الدينية والثقافية تحت رعاية الدولة ) ، وجاء هذا الاقتراح في إطار استعراض العريضة لمعانات الشيعة من الضغوط والمضايقات في شعائرهم الدينية وتقليص صلاحية القضاة الشيعة في الأحساء والقطيف ، والكل يعلم أن واحداً من أبرز و أهم عناصر القوة التي يتميز ويتمتع به أتباع أهل البيت عليهم السلام في كل بقاع الأرض وحتى في إيران الدولة الشيعية هو استقلالية علماء الدين و مؤسساتهم ومراكزهم وحوزاتهم الدينية في قراراتها و نشاطاتها ومواقفها عن أي سلطة أو نظام سياسي ، بربكم هل تحل إشكالية الضغوط على الشعائر الدينية وتقليص صلاحيات القضاة بالتنازل عن أهم عناصر القوة و الاستقلال التي بأيدينا لنستبدلها بالارتهان والتبعية للنظام الحاكم و أجهزته الرسمية التي تتحين الفرص للتضييق علينا و الإمعان في أسر حريتنا وسلب حقوقنا ؟!.
ثانيا: لم نبادر ونسعى بجد للارتقاء بأنفسنا وكياننا وخلق حالة التكافؤ والندية بيننا وبين النظام مما يجعل مطالبنا وخطابنا السياسي يتسم دائما بالضعف و العجز والتوسل والاستجداء و قبول الأمر الواقع الذي يفرضه علينا النظام .
ثالثا: الاستهانة بالطاقات و القدرات و الكفاءات و التقليل من قيمة وجودنا الأصيل و المتجذر الذي لا يمكن للنظام نكرانه و تحييده ، وبشعبنا الأبي الشجاع ذي الإرادة الصلبة والمواقف الجريئة ، و الشعور بالدونية و الرضا بالقشور و الاعتبارات الزائفة حتى خلقنا منها انجازات و مكاسب كبيرة أوهمنا بها أنفسنا و أ رضينا بها مَن حولنا حتى أصبح اللقاء بـ (الملك ) والسلام عليه دون أن يسمح لنا بالنطق ببنت شفة بعد أحداث دامية و مؤلمة إنجازاً كبيرا للطائفة ، و أصبحت مشاركة العمامة وظهورها على شاشات التلفزة في محفل من المحافل الرسمية أو في ملتقيات الحوار الوطني التي عقدتها السلطة لتخدم أهدافها السياسية وتذر بها الرماد في العيون داخليا وعالميا بحد ذاته انتصارا عظيما للشعب المسكين ، وكأن الوجود الشيعي أمر حادث طارئ و مجهول في هذا الوطن ، فلو سلمنا بذلك فإن تعزيز الوجود و إثبات القوة و فرض الاحترام لنا من قبل الآخرين لا يتحقق عبر اللقاءات والتجمعات والمشاركات الجاهزة والمعلبة و الحاملة لأجندة النظام و التي لم نجن منها سوى إعطاء الدعم السياسي و الغطاء الشرعي لنظام فقد وجوده واعتباره داخليا و إقليميا ودوليا.
رابعاً : أصبح من اللازم علينا في هذه المرحلة أن نعمل بجد وبإصرار لتوحيد كلمتنا واجتماع كفاءاتنا و رموز بلادنا وشخصياتها المخلصة الكفوءة على رأي واحد و هدف و مشروع واحد ، و استعادة الثقة بأنفسنا و قدراتنا و استثمار الطاقات والكفاءات الهائلة لدى شعبنا ، و أن نعمل على انبثاق مرجعية سياسية واجتماعية قوية تتحلى بالحزم والشجاعة والوعي والبصيرة النافذة والإيمان والإخلاص للدين و الشعب والوطن ، وتواجه المشكلات والتحديات والأزمات بالمواقف الحكيمة والشجاعة مع الاستعداد لتقديم التضحيات في سبيل ذلك ، حتى لو كانت هذه المرجعية متمثلة في مجموعة من رجال الوطن المؤمنين المخلصين الغيارى على وطنهم وشعبهم دون المتزلفين المتملقين الراكعين أمام الأبواب الخادمين بكل إخلاص وبكل ذل حكام الجور المنفذين مخططات أسيادهم في الساحة الداخلية .
ما لم نحقق ذلك على أرض الواقع فسنبقى نراوح مكاننا يستقوي أهل الحكم ببعضنا على البعض الأخر و يجيش بعضنا على بعض حتى يضعف شوكتنا ويحدث فينا التنازع والتباغض فيصبح مصيرنا الفشل و ذهاب الريح ، وعندئذ سيشهد لا سمح الله شعبنا المزيد من الكوارث والمآسي والأحداث والمزيد من سلب الحريات والحقوق ، وليست مهزلة القضاء في القطيف والأحساء تلك المؤامرة القذرة التي نفذها النظام بحق علمائنا الأفاضل وبحق كرامة وعزة هذه الطائفة الكريمة ، ليس ذلك عنا ببعيد ، والكل يعلم ملابساتها وحقيقتها و أهداف السلطة من ورائها .
خامساً: إن الاتصال بحكام الجور والسعي نحوهم لتحقيق مصالح الأمة و استيفاء حقوقها أمر مهم بل يصبح في بعض الأحيان واجبا شرعيا ، ولكن ذلك يخضع لشروط وضوابط شرعية و سياسية دقيقة جداً لا يتيسر تشخيصها و تشخيص ظروفها المكانية والزمانية لكل أحد ، ولا يمكن أن يخضع هذا التشخيص للآراء الفردية التي قد تتأثر بضغوط المصالح والمغريات الشخصية بل يجب أن يكون ذلك وفقا للضوابط الشرعية والأخلاقية ، هذا مع إحراز استيفاء وتحصيل تلك المصالح والمكاسب والحقوق، إلا أن سياسة الانفتاح والتقرب وتقديم التنازلات تلو التنازلات والقول في النظام ورموزه ومديحهم بما ليس فيهم وتضليل الناس والتغرير بهم خلال العقدين الماضيين أثبتت فشلها و إفلاسها و سقوط المروجين لها وأن ما شهدته المنطقة في السنوات المتأخرة من هرولة وسباق محموم للاتصال بالنظام الحاكم وكسب وده ورضاه وكيل المديح والإطراء والتملق الممجوج و إعطاء صبغة الشرعية لنظام ظالم جائر من خلال وفود البيعة وما أدراك ما البيعة ، لا يمكن للعاقل أن يصنفها إلا في خانة الهتك لقدسية و مكانة علماء الدين و الإساءة لأئمة أهل البيت عليهم السلام الذين لم يحتاطوا في شيء ولم يؤكدوا على أمر على أتباعهم و أصحابهم بالمنع والابتعاد بقدر مسألة العلاقة بحكام الجور والظلمة .
إن التجارب المستوحاة من التاريخ ومن حياة الشعوب الحية الحرة التي نالت عزتها و كرامتها و حقوقها و حريتها تحتم علينا أن نتعلم كيف نستعيد ثقتنا وبأنفسنا و بقدرات شعبنا وكيف نكون رقما قويا مهابا نحقق ما نصبوا إليه بمواقفنا الصلبة و الشجاعة ، و إن دفعنا في سبيل ذلك التضحيات و الأثمان الغالية ، ونتعلم أننا في زمن ليس فيه مكان إلا للأقوياء ، و أن الحرية والحقوق لا تقدم من أحد على نحو المنح والمكرمات ، و أن الضعفاء المتخاذلين لا قرار لهم ولا احترام ، ولا حياة لهم إلا على الهامش يقتاتون على فتات موائد الآخرين ، هذه هي أصول اللعبة والمعادلة التي يفهمها الساسة و المسيطرون على مصائر الشعوب ، فإما أن نتعلم كيف نجيد الإمساك بمضرب الكرة في اللعبة السياسية الداخلية ، ونتعلم قواعد اللعب السياسية المتعارفة بين الساسة المهيمنين على رقاب الشعوب لنستطيع مواجهتها و إلا فعلينا التنحي جانبا رحمة بأنفسنا و بشعبنا المنتظر للفرج على أيدينا .
قد يقول البعض لسنا سياسيين و لسنا في معركة سياسية ولسنا ممن يمارس في مطالبه الطائفية السياسة ، فنقول لهم إنكم شئتم أم أبيتم حينما حملتم على عواتقكم مسؤولية الدفاع عن مصالح الطائفة والمطالبة بحقوقها فإنكم لا تمثلون أنفسكم و لستم إلا نوابا تحملون قضية سياسية بامتياز ترتبط بتقرير مصير هذا الشعب المظلوم أمام حاكم لا يتعامل ولا يتعاطى معكم إلا وفقاً لقواعد و أصول السياسة المبنية على أساس حفظ مصالحه و مصالح حلفائه وشركائه المصيريين لا أمام حاكم يعتبر نفسه جزءاً من هذا الشعب يسعى للحفاظ على مصالحه وتحقيق طموحاته ووحدته واستقراره ، فلستم أمام مرجع من مراجع الدين أو شخصية من العامة تتعامل معكم وفقا للأخلاق و المبادئ الإسلامية و الدينية و وفقاً للعدل و المساواة ، و إذا بنيتم تعاطيكم و تعاملكم على حسن النوايا و التعامل الساذج فلن تكون النتيجة سوى المزيد من الضعف والذل و الأحداث المؤلمة ولن تحققوا أية مكاسب من شأنها تغيير هذا الواقع المأساوي ، بل إن هذا التعاطي البائس و المواقف المتراجعة هي التي جرأت أمثال حاكم المنطقة الشرقية (ابن فهد) أن يعمد إلى استدعاء بعض وجهاء المنطقة و علمائها الأفاضل و يتعمد إهانتهم و توبيخهم و إطلاق الألفاظ البذيئة بحقهم في مجلسه في أكثر من مناسبة و إملاء ما يريده عليهم .
لا نريد أن نعلنها مطالب طائفية فنحن أول النابذين و المحاربين للطائفية البغيضة ولكن حينما يشن النظام علينا هجوما وحربا تستهدف شتى مناحي حياتنا كمواطنين تحت عناوين طائفية ولأهداف طائفية فإننا مجبرون على الدفاع عن أنفسنا والمطالبة بحقوقنا بهذا العنوان . إن الإشكالية المذهبية والتمييز الطائفي الذي اصطلى بناره كل فرد من أبناء شعبنا كفر بإسلام المؤسسة الدينية الرسمية واحدة من القضايا التي يجب أن نسعى لاقتلاعها من السلوك السياسي لهذا النظام ، ويبقى عليها شوط طويل يجب أن نقطعه معاً كأبناء وطن واحد ، فليست المشكلة في بلادنا خلافا مذهبيا و طائفيا بين السنة و الشيعة بل إن المشكلة لها من العمق ما يجعلها تلقي بظلالها القاتمة على الوطن من أقصاه إلى أقصاه وعلى الشعب بكل أطيافه وتوجهاته واختلافاته المذهبية والقبلية والمناطقية .إنها قضية شعب كان منذ أكثر من مائة عام ولا زال يعاني من ممارسات و سياسات نظام ديكتاتوري قمعي شمولي مستبد ليس له نظير بين الأنظمة السياسية في العالم .
إننا واقعون تحت سيطرة نظام تمرد على كل القيم والأخلاق والمبادئ الإسلامية والشريعة السمحة باسم الإسلام و قفز على المقررات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تحت ذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية ، وتنصل عن استحقاقات شعبه في حقه في المشاركة السياسية وحق تقرير المصير ، وماطل ولا زال يماطل ويتلكأ في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية الموعودة بذريعة " الخصوصيات التي تميز الشعب السعودي" ! تلك المقولة الحمقاء المسيئة لمشاعر شعبنا التي تأثر بها بعض الساذجين من وجوه القوم فصاروا يرددونها كلما برزت حركة شريفة مخلصة تدعوا لتغيير الوضع السيئ في بلادنا ، فشعبنا في نظرهم وفي نظر أهل الحكم لا زال قاصراً لا يمتلك الأهلية والمقومات والوعي الكافي لمجارات الشعوب المتقدمة التي تتمتع بحق المشاركة السياسية و حق الانتخاب وإبداء الرأي والاعتراض والاحتجاج على مواطن الخلل والفساد .
إننا في بلد يحكمه نظام انفرد بين كل الأنظمة السياسية في العالم بافتقاره لدستور وطني تصوغه أيدي النواب المخلصين المنتخبين من قبل الشعب ، دستور تتشخص تحت ظلاله علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المحكوم بالحاكم و تتبين به وظائف الحاكم وواجباته تجاه شعبه و حقوق و واجبات المحكومين ، ويغدو حينها الدستور المرجع الرئيسي في صياغة معالم السياسة الداخلية والخارجية للبلاد ، ويبقى هذا الدستور الضمانة الحقيقية لصيانة البلاد والشعب ومقدراته ومقدساته و حقوقه من التلاعب والفساد . فليس من المقبول أن يحكم الوطن و الشعب (نظام الحكم) الذي صاغه أهل الحكم بما يتناسب و مصالحهم وأمزجتهم الشخصية ، (نظام الحكم) ذو العبارات والنصوص الفضفاضة والعائمة الصالحة لأن يفسرها أهل الحكم متى وكيف شاءوا بما ينسجم مع سياساتهم الظالمة ونزعتهم الاستبدادية ، وليس من المقبول أبداً أن تدار شؤون الناس عبر (المراسيم الملكية) المزاجية والارتجالية ليبقى مصير الشعب والوطن مرتهنا لمرسوم ملكي يعين ويعزل و مرسوم آخر يمنع و يسمح و ثالث يعاقب و يعفو .
هذه هي المشكلة الجوهرية التي يجب أن تتضافر جهود كل أبناء الشعب بعيداً الخلافات المذهبية والطائفية لحلها وإنهائها ، وهذا هو المطلب الوطني المقدس الذي يجب أن نقدم في سبيله كل المساعي والتضحيات الجسام لتحقيقه و لننقذ بلادنا و أنفسنا من المتاهة والنفق المظلم إلى مستقبل مشرق و حياة كريمة .
https://telegram.me/buratha