سهيل أحمد بهجت
سقط البعث و أزيح بالقوة في 2003 و لكن هل تخلصنا بالفعل من مخلفات هذا الحزب المتخلف و الإرهابي الإجرامي؟ لقد أدرك البعثيون كما أدرك النازيون من قبلهم، أهمية الجانب التربوي و تنشئة الأجيال على عقلية و منهج الحزب الأوحد و حروبه المصيرية، فكان طلاب المدارس ـ بل و حتى رياض الأطفال ـ و مرورا بكافة المستويات التعليمية و انتهاءا بأعلى الشهادات، يلقنون تعليمات الحزب و أفكاره و جوهره "عبادة الدكتاتور".لكن يا ترى هل قام السيد خضير الخزاعي (وزير التربية) و هو ذلك المنتمي إلى حزب الدعوة المعروف بتضحياته الضخمة و الجسيمة في مواجهة دكتاتورية البعث؟.
هل قام فعلا بها يكفي لإزالة ترسبات و بقايا التربية البعثية، خصوصا في مجال المناهج التعليمية؟ الحقيقة أن من يتابع قناة العراقية التعليمية سيدرك بما لا يقبل الشّك بأن مناهجنا الدراسية لم تكن تحت طائلة الإهمال و حسب، بل تركت ملوثة (و يهمني هنا مادة التاريخ) بجراثيم البعث العربي و صراعاته مع ما يسمونه "الصهيونية" و "الإمبريالية الأمريكية" و "الاستعمار" و "قضية فلسطين"، كل هذا الإهمال يصيبنا بالغثيان حينما نقارنه بمحاولات البعث في تشويه العقل العراقي، بينما الوزير خضير الخزاعي لم يحاول و لا حتى إنشاء "لجنة" أو "هيئة" ذات خبرة لتنقية المناهج الدراسية و تطويرها بحيث نكف عن عقلية "الصراع" و نتحد ضد الإرهاب و الكراهية و نقوم باحترام الإنسان بغظ النظر عن قوميته أو دينه أو أفكاره.
إن هذا يدفعني إلى أن أشك في أن السيد الخزاعي إما هو "متنكـَ" و ما يريد يسمع حسب التعبير العراقي الدارج، أو أنه يتبنى أفكار البعث و أن العملية هنا فقط (تغيير اسم) الحزب المناضل و القائد، إن احتمالات عودة الدكتاتورية تتسع في ظل بقاء المنهج التربوي القديم و استمرار عقلية التخلف التي تعتبر الطلبة "مجموعة أغبياء" و أن علينا أن نلقنهم الأفكار حتى لو تم ذلك بواسطة الضرب و الإهانة و منع الطالبات من الدراسة و هن "سافرات" و كأننا في مملكة آل الإرهاب آل سعود .
على وزارة التربية أن تخلق مناخ الحرية منذ دخول الطفل إلى الروضة و مرورا بالابتدائية و المتوسطة و حتى التخرج من الكلية، فالحرية مفهوم عام ـ رفعه البعثيون و كانوا يعنون حرية الدكتاتور في التصرف في رقاب الناس ـ و أحزابنا الحالية ترفع شعار الحرية و تتشدق بهذه الكلمة، و لكنها وضعت من الاستثناءات ما يهدد الحرية بحق، فأنت حر بما لا يتناقض مع الإسلام و رموزه أئمته "السنية و الشيعية" و المناضلين و المجاهدين و ...إلخ و هكذا أصبح كل شيء ممنوعا بحجة الاستثناء، و الحقيقة أن الحرية نفسها تخدم الدين و ذلك لأن الدين الحقيقي ـ و ليس التدين النفاقي الريائي ـ ينتعش في ظل التفكير الحر و إتاحة التفكير بلا قيد تخدم الدين، و لكن للأسف يُصرّ هؤلاء على إشعارنا أن "ديننا" هزيل إلى حد أنه سينتهي في ظل الحرية، و نحن نريد تخليص أبناءنا من مناهج البعث العبثي لا لننتقل من تقليد إلى آخر و لكن لننتقل من التقليد إلى الإبداع.
كانت هناك مادة في التاريخ اسمها "ثورة الحسين" كانت تزعج البعث و منظريه "الفكريين"!! فحولوها إلى "حركة الحسين" و لم تسمح لي الظروف لأرى هل تم تحويلها إلى "تمرد الحسين"؟، المسألة التي أود أن أثيرها هنا هي أن التربية هي أساس الدولة، فنحن متعددون في العراق الآن في كل شيء و إلى حدّ "فدراليات الفوضى" إلا أننا متحدون في الإبقاء على "مناهج العبث"، و أخشى أن تنتهي بنا المحاصصة القبيحة إلى تقاسم العلم نفسه، فيصبح "صلاح الدين الإيوبي" ـ الذي ذبح المسيحيين و الشيعة على حد سواء ـ بطل الحروب الصليبية "فقط" و إسدال الستار على باقي التاريخ البشع.
إن العقلية الدكتاتورية لا تقتصر على العرب وحدهم و لا على المذهب السني أو الشيعي، فكل من يحاول صبغ المناهج التربوية بلونه الخاص هو "دكتاتور"، أرجو أن لا يكون السيد وزير التربية من ذلك النمط الذي لا يهتم بما يقال لأن الوزير الناجح هو ذلك المبدع لا الذي يقبض الراتب و يوزع الابتسامات و المديح على الإعلام.
https://telegram.me/buratha