علي بابان وزير التخطيط العراقي
ليس من قبيل المبالغة ابداً أن نقول بأن الإقتصاد العراقي يمر بظروف صعبة ويواجه تهديداً جدياً ستكون له تأثيراته الهامة على مصير الوطن والمواطن، وأن التحرك الفوري للتعاطي مع هذا التهديد بات أكثر من ضروري فهذا الإنحدار السريع في عائدات النفط قد سلط الضوء على مواطن إعتلال ونقاط ضعف وإنكشاف في الإقتصاد العراقي غفلنا وتغافلنا عنها لعقود طويلة متكئين على جدار النفط الذي أتضح أنه أوهى من بيت العنكبوت....فاجأت الأزمة الأخيرة لأسعار النفط معظم العراقيين ولم تفاجئ النخبة الواعية منهم الذين طالما حذروا من الإقتصاد الأحادي الجانب.. ومن تدهور قطاعات الإقتصاد الحقيقي... ومن الإعتماد المفرط على النفط.اليوم بتنا في خضم الأزمة لا خارجها وإذا كانت بعض الإحتياطات قد تساعدنا في تخفيف الآلام هذا العام, فماذا عن العام الذي بعده وبعد الذي بعده...لا يمكن لنا أن نبقى صامتين ونحن نشاهد جبل العائدات الذي اعتدنا الحصول عليه وقد تقزم.. وتضاءل وأقترب من التلاشي..لا يمكن لنا أن نرهن مستقبل أبنائنا وأحفادنا لتقلبات سلعة لا نعرف المسار الذي ستأخذه في المستقبل....لحسن الحظ فأن معطيات الواقع الإقتصادي في العراق تتيح إيجاد بعض البدائل المجدية التي يمكن أن تعوض الإقتصاد إذا آذنت شمس النفط بالغروب, بالطبع لن يكون التعويض سهلاً ولن يأتي من خلال قرار حكومي يتم إتخاذه في الليل لينفذ في النهار, ولكن سيتم الوصول إليه من خلال (حزم) من الإجراءات.. والشروط.. والمناخات التي ينبغي توفيرها لضمان النجاح... هناك أكثر من تحد ومعضلة..من أين سنأتي بالإستثمارات والأموال اللازمة؟؟....من هي الإدارة التي ستشرف على تنفيذ هذه (الحزم)...؟؟وفي ظل أي نظام سياسي وقضائي يمكن الوصول الى تلك الغايات..؟؟..أسئلة صعبة ومعقدة ولكن في آخر المطاف لا بد من الإجابة عليها بوضوح وشجاعة.بعض السياسات بحاجة إلى وقت لكي تعطي ثمارها..... وبعضها لا يتسم بالقبول الشعبي.... وقسم منها يحتاج إلى جرأة وإتخاذ القرار....الضرر الذي يحصل في سنة يحتاج احياناً إلى سنوات لإصلاحه فكيف يكون الأمر إذا كان الضرر الحاصل في قطاعاتنا الإنتاجية هو حصيلة عقود من الإهمال.. والتفريط.. والتخريب في بعض الأحيان... كم يلزم من الوقت إذن للعلاج...كم ستحتاج مصانعنا التي تحولت إلى خردة.... وكم ستحتاج مزارعنا التي كساها الملح وضربتها الآفات والأدغال...نحن إذن بحاجة إلى الصبر والمثابرة قبل حاجتنا إلى المال والإستثمار.. ولكن قبل هذا أو ذاك نحن بحاجة أكبر إلى الخطة الواضحة والقرار الجريء فبدونها لا نستطيع فعل شيء... بحاجة إلى أن نتمسك بوطننا كما يتمسك الأبن بأمه عندما تمرض ولا يفرط بها.. الزهد بالوطن والفرار منه والإستسلام لمشاكله وعوارضه ورفع الراية البيضاء أمامها ظواهر في منتهى الخطورة وعلينا أن نهزمها ونقضي عليها...العراق اليوم وفي ظل التحديات التي يواجهها بحاجة إلى خطط تفصيلية واضحة المعالم قابلة للتطبيق وليس بحاجة إلى العموميات..والأطر.. والشعارات.. والتنظير غير المجدي.نريد أن نتناول مشاكلنا بطريقة عملية ونحدد الأولويات وسبل العلاج خطوة فخطوة، علينا أن نقدم للإقتصاد العراقي المعتل وصفة علاج قابلة للتناول... لا نريد وصفات جاهزة مفصلة على غير مقاساتنا.. ولا نماذج نظرية مستوردة لا تناسب واقعنا, فكما أن المشكلة عراقية فأن التعاطي معها ينبغي أن يكون عراقياً...ندرك أن بعض المعالجات ذات تكلفة سياسية وإجتماعية باهظة ولكن عدم المعالجة سوف يجعل التكلفة أغلى وإذا لم نتخذ الموقف السريع المناسب للتعاطي مع أوضاعنا الإقتصادية فأن كل ما احرزناه من مكاسب أمنية وسياسية سوف يصبح في مهب الريح.. لا تتوقعوا أماناً وطوابير العاطلين تزداد طولاً وعرضاً.. ولا تتمنوا إستقراراً والملايين من أبناء الوطن يطحنها الفقر والحرمان...لازال هناك هامش من الوقت لنفعل الكثير.. ولكن حذار من إضاعة الوقت وإستصغار المهمة.بدائل النفط متوفرة في أرضنا.. ومياهنا.. ومواطنينا.... ولكن الشروع في العمل مطلوب اليوم قبل غد...النقاشات السياسية الساخنة.. والصراعات الحزبية المستعرة.. عليها أن لا تنسينا أن أمامنا أزمة إقتصادية قادمة.. وعاصفة عاتية... نخشى على أركان الوطن ودعاماته من قوتها وقسوتها.المؤتمر الوطني الذي تعقده وزارة التخطيط تحت عنوان ( بدائل التنمية في العراق في ظل إنخفاض عائدات النفط) لا يمكن إعتباره حدثاً إعتيادياً.. أو مؤتمراً تقليدياً شأنه شأن المؤتمرات العديدة التي تعقد في بلادنا بأستمرار.. أنه بداية نقاش وطني نريد أن نطلق شرارته الأولى.. ودعوة إلى حوار إجتماعي وسياسي وإقتصادي معمق للنخبة الوطنية ولكل من يهمه أمر مستقبل أجيال العراقيين لكي يسلط الضوء على السيناريو القادم ويجهزوا العدة اللازمة لمواجهته.. لكي نستبين ملامح الإستراتيجية القادمة إزاء إنخفاض عائدات النفط قبل أن تدهمنا العاصفة.. وتغرق الوطن والمواطن في لجتها..
https://telegram.me/buratha