الباحث/عمار العامري
وهكذا تأزمت العلاقة بين السلطات في بغداد والمرجعية الدينية في النجف الأشرف، وإزاء هذه المواقف اختار السيد الإمام محسن الحكيم تصعيد اللهجة تجاه السلطة وعدم التراجع أمام ضغوطها وإجراءاتها القمعية وغير القانونية، إذ كانت الأوضاع في المدن الدينية متوترة بعد عودة المرجع الأعلى من كربلاء( )، فقرر السيد محسن الحكيم عقد اجتماع جماهيري كبير في الصحن الحيدري الشريف في النجف الأشرف وذلك يوم الثامن والعشرين من شهر صفر المصادف 14/5/1969 حيث توافدت الحشود الزائرة إلى النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين (ع) بمناسبة ذكرى وفاة الرسول الأعظم(ص)، إذ لم يشهد في الصحن الحيدري اجتماعا بهذه السعة( )، لأن النفوس كانت معبأة ضد السلطة خلال تلك الفترة، وقد حضره عدد كبير من العلماء في مقدمتهم السيد الإمام محسن الحكيم والسيد الإمام أبو القاسم الخوئي والسيد محمد باقر الصدر والسيد عبد الله الشيرازي الشيخ مرتضى آل ياسين وأنجال السيد الحكيم وغيرهم وكبار العلماء وأساتذة الحوزة العلمية من اغلب مدن العراق، حيث كلف السيد عبد العزيز الحكيم بدعوة الشخصيات الدينية والسياسية وشيوخ العشائر العراقية إلى الاجتماع، لذلك تم اعتقاله من قبل السلطة ثم نقلوه إلى وزارة الدفاع ثم نقل إلى دائرة الانضباط العسكري في بغداد وأطلق سراحه هناك والهدف من ذلك أن السلطة تبغي استفزاز المرجعية الدينية( )، وفي هذا الاجتماع ألقى السيد محمد مهدي الحكيم بيانا تاريخيا نيابة عن والده وقد ركز البيان على الأمور المهمة التالية ( ):
1- أن النجف الأشرف هي مركز الحوزة العلمية المدافعة عن حقوق المسلمين وكرامتهم ومصالحهم وهي المستعدة للتضحية في سبيل كرامة المسلمين ولا تقبل المساومة على حساب المصالح العليا وإنها قادت معركة الشعب العراقي ضد القوى الاستعمارية.
2- أن الحكومات المتعاقبة سارت على نهج المستعمرين في محاربة الحوزة العلمية وخنق الحريات وإرهاق الأمة بالقوانين الظالمة المرتجلة.
3- أن المرجعية الدينية قاومت العنصرية والطائفية والظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي مارسته السلطات السابقة.
4- أن الحوزة العلمية في العراق جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية وكيان بعيد عن تأثيرات الصراع والنزاع السياسي بين الأنظمة والحكومات وأنها ممثلة الإسلام وليست ملكا لهذا الإقليم أو غيره ( ).
5- العتبات المقدسة هي أماكن مقدسة يجب أن تبقى مفتوحة لجميع المسلمين من كل قومياتهم.
6- الدعوة إلى العودة إلى الإسلام والقيم الروحية وإدانة الانحراف والأفكار الضالة والفساد الاجتماعي ( ).
7- إدانة التمييز الطائفي والعنصري والدعوة إلى إشعار المواطنين بحقوق المواطنة العامة وبالعزة والكرامة.ولم يكن هناك توافق بين أعضاء جهاز المرجع الأعلى فهناك من يدعو إلى الاكتفاء بهذا الموقف، أما الرأي الآخر فكان يدعو إلى استمرار المواجهة ضد السلطة على اعتبار أن ذلك من مسؤولية المرجعية الدينية ( )، وقد اختار الإمام السيد محسن الحكيم الرأي الثاني حيث أكد ضرورة الاستمرار، فيما دعا السيد مهدي الحكيم إلى عقد اجتماع للعلماء في بغداد والكاظمية من اجل مناقشة التطورات للوصول إلى رأي في الوضع القائم ( )، فتم الاجتماع في 23/5/1969 في حسينية الكرادة الشرقية (أرخيته) بحضور 70 عالما وبعد دراسة الوضع خرج المجتمعون ببيان يتضمن "أن الشعب العراقي سيطر عليه الخوف بشكل غير طبيعي ولا يمكن الاعتماد عليه ما لم يكسر هذا الخوف " وتقرر أيضا اختيار عدد من العلماء ممثلين عن جماعة علماء بغداد والكاظمية للذهاب للسيد الإمام محسن الحكيم في النجف الأشرف وهم( ) السيد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ علي الصغير والسيد محمد الحيدري والسيد هادي الحكيم .
وقد توجه الوفد إلى النجف الأشرف والتقى بالسيد محسن الحكيم وابلغوه بنتائج الاجتماع وأتخذ السيد الحكيم موقفاً حاسماً تجاه خطوات السلطة، فقرر التوجه إلى بغداد في يوم الجمعة 14/ ربيع الأول/ 1389هـ الموافق 30/ 5/ 1969م( ).
https://telegram.me/buratha