الباحث/عمار العامري
وهكذا توسعت فجوة الخلافات وأصبحت الأجواء مشحونة بالتذمر والاستياء من خطوات السلطات، وحاول صدام حسين في بداية الانقلاب لقاء السيد الإمام محسن الحكيم في النجف الأشرف وجوبه طلبه بالرفض ولمرات عدة( )، فقد أرسل محمود الصافي احد عناصر حزب البعث في النجف الأشرف لترتيب اللقاء، لكن الإمام الحكيم رفض ذلك واخبره بان السيد مهدي في بغداد ويستطيع أن يراه( )،اثر ذلك التقى محمود الصافي بالسيد مهدي ونقل له جواب السيد الإمام الحكيم بخصوص ما يريده صدام، ثم جاء شخص أخر والتقى بالسيد محمد مهدي طالبا منه التهيؤ للقاء صدام حسين فأجابه الحكيم "استقبل في منزلي مختلف الطبقات الاجتماعية وصدام احدهم"،وهكذا تكررت الاتصالات مرات أخرى لعقد اللقاء فازدادت الإجراءات وصعدت الحكومة من موقفها ولم تكف عن وعودها ولم تفعل هذه الإجراءات إلا لكسب الوقت وتقوية نفوذها وهيمنتها في الشارع وزرع الخوف في قلوب الجميع( ).ولهذا أصدرت السلطات قرارا جديدا يثير المشاعر ويؤجج الموقف، متمثل بقرار إلغاء إعفاء طلبة الحوزة العلمية العراقيين من التجنيد الإجباري، ومع هذه التطورات ذهب السيد مهدي الحكيم لمقابلة البكر وإبلاغه باعتراض المرجعية الدينية على هذا القانون، والطلب منه التراجع عنها، وبقي قرار شمول طلبة العلوم الدينية بالتجنيد الإجباري مستمراً وان الهدف من كل هذه القرارات المدروسة هو محاصرة المرجعية الدينية وسلب نقاط قوتها وتسجيل ملاحظاتها على الشخصيات التي تتمتع بالتأثير في الأوساط الدينية، أمثال السيد محمد مهدي الحكيم لحياكة الدسائس لهم، ولم تتوقف السلطات عند حد معين تجاه الحوزة العلمية وإنما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال الإيرانيين والباكستانيين القادمين من مناسك الحج لزيارة العتبات المقدسة ومصادرة أموالهم بدون أي مبرر مقبول( ).
وتزامنا معه أعدت الحكومة العراقية قانونا جديدا مثل تدخلاً سافراً في شؤون العتبات المقدسة في محاولة منها للسيطرة على ايرادتها والاستيلاء على مواردها، وفي إجراء شكلي تم إرسال مسودة النظام الجديد إلى السيد محسن الحكيم ، الذي توجه، لمقابلة البكر لإبلاغه ببعض الملاحظات على القانون وتقديم احتجاجا على اعتقال الزوار، فأبدى الأخير تفهمه ووعد بإجراء التعديلات اللازمة، أما بالنسبة لموضوع الزوار فقد اعترف البكر بوجود اعتقالات نافيا مصادرة أموالهم مدعيا أن الأجهزة الحكومية تعيد أموالهم لهم ثم تسفرهم إلى بلادهم.
اتجهت الحكومة في رد فعل انفعالي نحو تصعيد الضغط على التيار الإسلامي المتمثل بالمرجعية الدينية فشنت القوات الأمنية يوم الثامن عشر من صفر عام 1389هـ ( أي قبل يومين من زيارة كربلاء) حملة على المدارس الخاصة بطلبة المدارس الدينية في النجف الأشرف واعتقلت طلبتها تمهيدا لتسفيرهم وشملت حتى العراقيين من أصول إيرانية، وكان السيد الإمام محسن الحكيم حينها في كربلاء لأداء مراسم الزيارة وعندما سمع النبأ قرر العودة إلى النجف الأشرف، ومثلت عودته المفاجئة تعبئة شعبية ضد السلطة وإشعاراً إلى الشعب بخطورة الموضوع الذي حصل،وحدثت إرباكا وقلقاً لدى الأوساط الشعبية والحوزات العلمية والمهتمين فيها في العراق وخارجه، وانتشرت الأخبار عن الإجراءات التحقيقية التي اتخذتها السلطات ضد الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مما دعا السيد الحكيم إلى التحرك السريع والعلني لمعالجة الموقف والاستعداد للمواجهة المباشرة مع النظام( )، يوم التاسع عشر من شهر صفر عقد في داره بمدينة النجف الأشرف حضره عدد كبير من العلماء للتباحث في هذا الشأن متدارساً مع بقية العلماء ومستشاريه هذا التطور الخطير والخلفيات التي تقف وراءه والأهداف التي تسعى السلطة لتحقيقها منه.
بعدها اتصل السيد مهدي الحكيم هاتفياً بـ (مجلس قيادة الثورة) طالبا منهم إرسال ممثلاً عنهم إلى مدينة النجف الأشرف، فوصل الوفد المؤلف من حردان التكريتي وخير الله طلفاح فبين السيد محسن الحكيم استنكاره وغضبه لما يحدث، ولاسيما الاعتقالات والتسفيرات والاتهامات بالجاسوسية بسهولة على الناس لاسيما فضلاء الحوزة العلمية أمثال السيد حسن الشيرازي، وقد علق خير الله طلفاح على موضوع السيد حسن الشيرازي " أن المتهم ليس فقط السيد حسن والواقع أن هناك شخصين متهمين احدهما اعتقل والأخر ترك لاعتبارات"( )، وبعد مغادرة الوفد قال السيد محمد مهدي لوالده " أن الأخر الذي ترك لاعتبارات هو أنا" فوافقه والده الرأي( ).
وبعد هذا الموقف قللت الحكومة من اعتقالاتها المقيمين في العراق، ألا أنها أعادت الطلب على السيد محسن الحكيم للتدخل في حل النزاع بين الحكومة وحكومة طهران، وتم إبلاغ السيد مهدي الحكيم عبر وسطاء من الحكومة بأنها ترغب بقيام السيد محسن الحكيم بهذه الوساطة، ونقل السيد الحكيم هذه الرغبة إلى والده فرفض التوسط ألا بطلب رسمي مكتوب، باعتبار أن الوضع السائد في العراق مريب حيث يوجد جهاز سري يحكم البلد من وراء المسؤولين( ).
https://telegram.me/buratha