( بقلم : علاء الموسوي )
تكاد سمة التصحر السمة البارزة للمناخ الطبيعي والسياسي في العراق، اذ تستيقظ صباحا وتجد نفسك متعبة نتيجة صعوبة التنفس من الغبار المنتشر بين ليلة وضحاها، والامر ينعكس تماما على التغييرات المفاجئة التي تحدث في المشهد السياسي من دون ان تكون هناك اي سابقة توحي بوجود خلافات جوهرية بين الكتل السياسية. نسمع بين الفينة والاخرى عن وجود اجتماعات مكثفة وقمم سياسية مبرمجة زمانيا ومكانيا من اجل الوصول الى حلول معينة تجاه الخلافات الواقعة بين الحكومة واقليم كردستان.. او بين قائمة معينة وكتلة اخرى.... او بين المكون السياسي الواحد.. وهكذا هلم جرا من الاختلافات بحق ابسط القوانين والاجراءات السياسية والقانونية التي يتم طرحها في المحافل السياسية.
المتابع للمشهد العراقي يلمس ان الاختلاف والتناحر هو الاساس وراء التشكيلة السياسية ، حتى وصل الحال الى ان يكون الاختلاف من اجل الاختلاف فقط لاغير. صحيح ان سمة الاختلاف (وليس الخلاف) نعمة الهية اريد بها اثراء البشرية بالتنوع والتعدد في الخيارات السليمة والصحيحة، وهذا بحد ذاته مبدأ اشارت اليه الادلة العقلية والنقلية في الاستفادة من تلك السمة البشرية.
الا ان يصل الحال الى تعطيل الحالة السياسية في البلاد بسبب وجود هذه الاختلافات التي وصلت وبطبيعة الاستمرارية فيها الى خلاف جوهري يهدد اطر الوحدة السياسية في القرارات المصيرية للبلاد، هذا ما لا يرضى عليه احدا لا في دين ولا قانون. في النصف الثاني من العام الماضي، وصلت ذروة الاختلاف السياسي للقوانين والتشريعات الى حد التناحر والتهديد بالانسحابات والانقلابات العسكرية، بينما تجد السمة الظاهرة للمشهد السياسي متنعم بجو عزائم المودة، وموائد الطعام لما لذ وطاب. الا ان مافي الباطن السياسي كشف من خلال الاحتكاك في اطر الخلاف، ماوراء المستور لطبيعة الاختلافات بين الاحزاب والمكونات السياسية. ولعل هذا الاحتكاك السياسي وصل اليوم الى مراحل الذروة وقبيل اعادة الهيكلية البرلمانية والحكومية من جديد، لاسيما في ما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب واقرار الموازنة المالية المميزة لمحافظات اقليم كردستان على حساب المحافظات الجنوبية (غير المنتظمة باقليم).
وما يزيد الطين بلة اطلاق الدعوات المعارضة للمحاصصة الطائفية، وجعلها كوسيلة للاستهلاك الجماهيري، من دون تطبيقها على ارض الواقع. حيث نجد تصريح يسند لشخصية سياسية، تكون كتلته من اشد المحتكرين للمنصب تحت يافطة مايسمى بـ(الاستحقاق الطائفي). لهذا لايمكن تخيل عراق ديمقراطي فدرالي اتحادي ينعم فيه الشعب ويعوض فيه عن آلام الماضي واهاته المريرة، وسمة التصحر السياسي طاغية على المشهد المتقلب يوميا ومن دون سابق انذار، وكأنما التغيرات المناخية (الاقليمية) لها من الصلة الوثيقة في طبيعة ذلك التصحر ،الذي لايخدم غير الباحثين عن افراغ العراق من معطيات وحدة الكلمة والقرار.
https://telegram.me/buratha