الباحث/عمار العامري
بعد مدة من وصول البعثيين إلى السلطة في 17/ تموز عام 1968 قصد احمد حسن البكر الإمام محسن الحكيم بزيارة مفاجئة لم يتم الإعداد لها سلفا، وأراد البكر من هذه الزيارة أن تكون أشبه بفرض الأمر الواقع على المرجعية الدينية ، وفعلا حاولت السلطة من خلال إعلانها بوسائل الأعلام، عن أن اللقاء كان ودياً وأبدى السيد محسن الحكيم ارتياحاً تجاه الثورة وقادتها وإعلان تأييده لها( )، ولكن الإمام الحكيم اعترض على نشر خبر اللقاء بهذه الطريقة، ورداً على ذلك قام السيد مهدي الحكيم إخبار الحكومة بضرورة الإعلان بأن الزيارة كانت مفاجئة، ولم يعد لها سابقا ولم يتضمن اللقاء سوى بعض كلمات المجاملة، واستجابت الحكومة لهذه الضغوطات فجاء الإعلان على لسان متصرف كربلاء الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية بان زيارة رئيس الجمهورية كانت مفاجئة لمدينتي النجف والكوفة لاسيما زيارة السيد محسن الحكيم، بعد هذا الموقف تأزمت العلاقة بين المرجعية الدينية في النجف الأشرف والسلطة والحزب اللتين يقودهما احمد حسن البكر، فكانت السلطات تحاول فرض سيطرتها الكاملة على جميع مرافق الحياة في العراق ولا تقبل بان يكون هناك كيان مستقل خارج سيطرتها ومنها الحوزة العلمية في النجف الأشرف والتي تتزعمها المرجعية الدينية( )، فالحكومة كانت متوجهة نحو بناء دولة جديدة مستندة على المبادئ العلمانية وفصل الدين عن السياسة، لذلك بدأت بالتعرض للخط الإسلامي وتوجيه الاتهامات للشخصيات المؤثرة والعاملة فيه( )، وكان ابرز المواقف السياسية للسلطة ضد المرجعية الدينية هو قرارات المؤتمر القطري السابع لحزب البعث المنعقد بتاريخ 4 نيسان 1969 والذي سمى حركة المرجعية الدينية والأجهزة والمؤسسات المرتبطة بها بـ (التيار الرجعي) بهدف إجبار المرجعية على التخلي عن استقلالها وجعلها أداة بيد السلطة( )،
ومع ذلك طلبت قيادة الحزب أن يكون التعامل بحذر شديد مع التيارات الإسلامية لحساسية الموقف وخطورته عندما تكون المواجهة علنية ومباشرة مما يؤدي إلى عزله عن الشعب، إن هذه القرارات التي أعلنت من خلال وسائل الإعلام أثارت استنكار السيد الإمام محسن الحكيم وكسرت أواصر الثقة بين المرجعية الدينية والحكومة، لاسيما بعدما شعر بان الحكومة العراقية تحاول تقليل شأن الحوزة العلمية من خلال دفعها في مواقف محرجة، وزج بعض التابعين لأجهزتها الأمنية والحزبية في الحوزة العلمية لتبديل القاعدة الطلابية وتغيير وسطها العلمي في النجف الأشرف، وتحويل العتبات المقدسة في العراق إلى مزارات تحت إشرافها( ).
وبرز حادث آخر عكر العلاقة هو قيام احمد حسن البكر بزيارة السيد محسن الحكيم وبشكل مفاجئ، والتي طلب فيها البكر تدخل السيد الحكيم والطلب من محمد رضا بهلوي شاه إيران بعدم مساندة ودعم الفصائل الكردية المتمردة في شمالي العراق، وقد رفض السيد الحكيم هذا الطلب( ).
وتسارعت الإحداث بعد أن شرعت الحكومة العراقية قانوناً عدل بموجبه قانون الأوقاف، الذي جعل العتبات المقدسة والأوقاف الدينية الشيعية تحت تصرف وزارة الأوقاف( )، واستمرت الحكومة في تضييق الخناق على الحوزة العلمية إذ قامت بمحاولة عزلها عن الخارج بمضايقة الشيعة القادمين من الدول الأخرى لزيارة العتبات المقدسة، من اجل منع وصول الحقوق الشرعية إلى المرجعية الدينية من مقلديها خارج العراق، وهذا ما حدى بالسيد مهدي الحكيم لمقابلة البكر وتسجيل احتجاج المرجعية على تعديل قانوني الأوقاف والتجنيد والممارسات الأخرى( ).
إلا أن الحكومة لم توقف ضغوطها على الحوزة العلمية واستمر التأزم في العلاقة بين المرجع الإمام الحكيم والبكر لاسيما بعد الإجراء الذي اتخذته الحكومة بتأميم جامعة الكوفة التي تعتبر اكبر المشاريع التربوية التي تبنتها الحوزة العلمية وتهدف إلى إقامة جامعة علمية كبرى على الطراز الأكاديمي العالمي، جاء ذلك القرار بتوقيع صالح مهدي عماش وزير الداخلية آنذاك في 19/12/1969 القاضي بإلغاء جامعة الكوفة ومصادرة أموالها ،تبع ذلك اعتقال بعض أعضاء الهيئة الإدارية ،وعلى ضوء ذلك ذهب السيد مهدي الحكيم لمقابلة البكر وإبلاغه استنكار المرجعية لهذا القرار( )، ألا أن البكر أنكر القرار وادعا أن لا قيادة الحزب ولا الحكومة لديها علم وإنما عماش هو الذي فعل ذلك، فرد عليه مهدي الحكيم "
نحن نعلم أن الدول تحاول الإكثار من معاهد الثقافة والعلم وليس التقليل منها وان هؤلاء الناس لم يكلفوا الدولة شيئاً ولديهم كفاءات علمية وقد جمعوا مبلغا من المال من اجل أن يقيموا معهدا ثقافيا، فلماذا يتم إلغاءه؟، والحكومة لها الحق أن تقول نحن نشك في الأشخاص أو إننا لا نعرف القائمين على المشروع وهذا معقول من قبل دولة إذ أن لها حق الإشراف، وأما أن تلغي هذا العمل فهو شيء غريب وغير معقول "، فأكد البكر مرة أخرى " ليس لدى الحزب ولا الحكومة علم بالموضوع وان عماش اتخذ هذه الخطوة لوحده وانه (مو خوش ادمي)"( ) لكن المتتبع للإحداث يجد أن هذا كان جوابا تكتيكا أريد به كسب الوقت وتهدئة الوضع ولكن القرار بقي محتفظا بسريانه ونافذ المفعول.
https://telegram.me/buratha