المقالات

عظمائنا كيف نصنعهم؟


( بقلم : حميد الشاكر )

كثيرا مايمُثل الناس الحياة بانها مصنع كبير للانسانية ، ويبدو ان هذا من منطلق ان الانسان ماهو الا منتج طبيعي لحركة هذه الحياة فحسب ، وكيفما كانت توجهات هذه الحياة الفكرية والاخلاقية والانسانية والاقتصادية .... تكون منتجاتها الانسانية !. وفي مرّة من المرّات قرأت : ان التجربة هي المصنع الحقيقي لأي انسان منّا !.وهكذا سمعتُ من أحد رجال الفكر الاسلامي في بعض المجالس : ان المحنة والبلاء مصنع عملاق لصنع الانسان وانتاج سلعته البشرية !.

وفي العراق حيث ابتلي هذا الشعب والبلد بكمية هائلة من الطغاة والظلمة ، كان وما زال العراقيون يؤمنون بمقولة : المجتمع هو من يصنع طغاته !. ولايختلف الامر في باقي الشعوب والامم الحضارية الحيوية حيث تكون ماكنة الحياة واذرعتها الانتاجية متحركة لصناعة الانسان ، ففي مصر هناك المثل الشائع ايضا عندما يقول الانسان الصعيدي : سألو الفرعون ما الذي فرعنك ؟. قال : لم اجد مَن يحاسبني !.والحقيقة ومن كل ماذكرناه آنفا يبدو انه وبالفعل هناك عدة عوامل اجتماعية وفكرية وسياسية واقتصادية في هذه الحياة هي المساهمة الحقيقية في بناء وصناعة اي انسان في هذه الحياة ، والفرق بين صناعة وأخرى هي في مدى رؤية المجتمع نفسه لماهية وهوية هذه او تلك من الصناعات الانسانية التي يريد انتاجها، فبينما يكون هناك اجتماع انساني يتميز بالغفلة والبله ينتج ويصنع بطبيعة حركته مستغلين وظلمة ومتشيطنين كمنتج طبيعي ، كذا هناك مجتمعات وأمم وشعوب وقبائل ماكناتها الانتاجية خبيرة بصناعة الابطال والخبراء والفنانين ..... وهلم جرّا حسب كل مادة وما تتمكن من صناعته وانتاجه من بشر !.

إن حقيقة ان المجتمع هو المصنع الحقيقي لانتاج ماهيات البشر وسلعتهم الانسانية ليس هي الحقيقة الغريبة او النتيجة العقلية الغامضة او المعادلة الفكرية الدقيقة ... التي اكتشفنا اسرارها العملاقة لهذا نحن اشرنا لها بكل اعتزاز وفخر ، لا ليست هذه هي المعادلة الفكرية الدقيقة التي نريد الاشارة لمضامينها المهمة ، لكنّ ماهو خطير ونوعي ويستحق الاشارة له هو حقيقة : ان المجتمع يمتلك القدرة والحرية والارادةوالامكانية التي تؤهله ان يختار ماهية انتاجيته السلعية الانسانية في هذه الحياة ، فالمجتمع صحيح انه مصنع كبير جداً الا انه مصنع يدرك حركة ماكناته واذرعه الانتاجية ، كما انه مصنع يعي كيفية صناعة هذا الصنف من الناس او ذاك الصنف من البشر حسب متطلباته وحاجاته الطبيعية ، فأن هو احتاج لطاغية أهوج في عالم السياسة ، فالاجتماع ليس بحاجة الى اكثر من دورة لماكنته الانسانية حتى نجد سلعة ومنتج الطغاة قد ظهرت في الاسواق وانزلت في بورصات التداول التجارية ، لنرى في كل دكّان طاغية وفي كل مسرح وعلى قارعة الطرق وفي الحدائق وداخل بيوتنا في غرف النوم والاسرة .... الخ !.

والعكس صحيح ايضا ان قرّرالمجتمع صناعة سلعة الانسان العادل حسب احتياجاته البشرية الطبيعية ، فاننا سوف لن نفاجأ عندما نرى دورة ماكنة المصنع الانسانية قد تغيّرت حركة اذرعها الصناعية ، لنتسلّم من الجهة الاخرى للماكنة سلعة الانسان العادل ، وليتم تعليبها وتغليفها وانزالها للسوق الاجتماعية ، وبعد برهة زمنية ليست بالطويلة سنكتشف ان السلع ملئت الاسواق والجوامع والطرق والبيوت .... بشكل ملفت للنظر ، لنتحرك فيما بعد لنرى الحاكم العادل والتاجر العادل والعامل العادل والعالم العادل والمرأة العادلة والاب العادل ..... في كل مكان في حياتنا الانسانية !.وهكذا الحال في كل صنف من اصناف وسلع الانسانية ، فأن ماكنة المجتمع قادرة على صناعة السلعة المطلوبة ، والفرق بين سلعة واخرى هي ان المجتمع عندما يقرر صناعة العظماء فان امكانياته تسمح بذالك ، وعندما يقرر العكس بانتاج الطغاة والخونة والمستغلين فالعملية ايضا مُيسّرة مع فقط اختلاف في العناوين او اسماء السلع لاغير !.

مرّة سألتُ أحد الاصدقاء عن الكيفية التي يُصنع فيها العظيم في الفكر او الادب او السياسة او الفن او العلم ؟. وقلت كيف تتمكن الامة من صناعة عظمائها ؟.فأجابني : أن لأي امة او شعب طبقات اجتماعية متنوعة في الفكر وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الفن وفي العِلم ....، واذا وعى المجتمع تقاسيمه الطبقية هذه على اساس انها تركيبته الانسانية الطبيعية ، وانه عامل داخل خلاياها كلٌ حسب مايسّر له ، تظافرت جهوده الطبيقية العاملة بأن يعمل كلٌ من موقعه فحسب لتتكامل خلايا النحل الاجتماعية في العمل ، فطبقة العمال مصنع منفرد من مصانع المجتمع الانساني ، يتمكن من صناعة الانتاج السلعي الراقي للمجتمع ، وبنفس الوقت فان هذه الطبقة تتمكن من صناعة قياداتها وعظمائها الاجتماعيين لقيادة هذه الطبقة والمطالبة بحقوقها والعمل على الارتقاء بها نحو الافضل !.وكذا يقال بطبقة التجاّر واهل الاقتصاد والتنافس المالي الطبيعي عندما تدرك هذه الطبقة انها مصنع لانتاج مختلف عن طبقة العمّال الا انه متكامل معها في بناء الحياة !.ولافرق في الامر كثيرا في طبقة اهل الفكر والثقافة والعلم ، فأذا أدركت هذه الطبقة وظائفها الفكرية والتربوية ، ووعت انها مصنع متكامل لانتاج الافضل للحياة ، أدركت من ثم انها تتمكن ايضا من صناعة عظمائها من داخلها هي كطبقة ، ولتقدم سلعتها فيما بعد للمجتمع على اساس انها منتج طبيعي لحركة الامة !.

نعم اهل الفكر طبقة هي التي تصنع عظمائها من خلال الحالة التي يصنعها المفكرون والكتاب والعلماء فيما بينهم والبين الاخر ، ومن خلال الجدل والنقاش وتعريف الاقلام بعضها بالبعض الاخر ، وتحريك حالة الحوار والاختلاف وضخ الفكر بنوع من الجدل والتناقض ... من خلال هذه الروح يلتفت الاجتماع الى حالة الحراك والمناقشة الفكرية التي تدور بين فكر واخر وقلم واخر ، ليصنع اهل الفكر حالة حوار وحراك اجتماعي من خلالها يلتفت المجتمع لكتّابه ومفكريه وعلمائه ، وليتناول افكارهم ونقاشهم وموادهم المعرفية كأحد معالم الاعتزاز والاهتمام بفكر ومفكري المجتمع وقضاياهم العلمية والفكرية والنقاشية والحوارية !.وهكذا يقال في عالم السياسة والاخر الاجتماع والثالث .... الى ان نصل لنتيجة ان كل اصحاب مصنع مسؤولون عن انتاج سلعهم الانسانية وعظمائهم الطبيعيين ، وربما في هذه الاحوال صنع المجتمع عظمائه وهم ليسوا بالاساس عظماء على الحقيقة ، ولكن اذا اراد المجتمع ان يصنع فلا احد يستطيع ان يشكك بصناعته !.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك