ان الانظمة السنية المحتلة التي تعاقبت على حكم العراق امعنت في تطبيق منهج الطائفية الجغرافية بحق الشيعة الى حد التطرف وقد قرنت هذه السياسة بطائفية اقتصادية وبذلك نجحت الى حد كبير في تقويض كل مقومات الدولة الشيعية ووضعت الشيعة بين فكي كماشة ( بقلم : محمد حسن الموسوي )
الماء هو سر الحياة الابدي (وجعلنا من الماء كل شئ حي) هكذا يحدثنا القرآن الكريم. ولأهمية الماء شُرعت القوانين والاتفاقيات الدولية للاستفادة من مياه الانهار والبحار المشتركة بين بني البشر، على ان جميع العقلاء والاسوياء يتفقون على حرمة منع الماء عن الاحياء. ويكاد يجمع الكثير من المحللين على ان هذا القرن سيكون قرن حروب المياه اي الحرب من اجل الحصول على الماء وربما سيشهد العراق اول تلك الحروب فأعلان هيئة علماء السنة باستخدام الماء كوسيلة حرب يعني فيما يعني اعلان الحرب. وقد جاء في البيان الذي وزعته تلك الهيئة بمناسبة الذكرى الثالثة لتحرير العراق من الاحتلال الانكشاري الصدامي مايلي:
(...اما الارض التي يعيش عليها العراقيون فهي الاخرى لا تقبل التجزئة فالثروات موزعة في كل انحاء العراق فاذا كان النفط في الجنوب مثلا فالماء في الوسط والشمال ويمكن حبسه حتى يُبادل برميل من النفط ببرميل من الماء ويمكن ان ينفرط عقده فيغرق الجنوب كله واذا كان الشمال يملك الطبيعة الخلابة فلا قيمة لهذه الطبيعة مالم تحظ بأمن جيرانها وتنفتح لها المسالك لحركة السياحة والتجارة وهكذا).
ان دعاة مقايضة الماء بالنفط بطرحهم هذا انما يجبرون الشيعة على العمل بخيار الاستقلال الذي طالما طالبنا العمل به واقامة دولتهم العتيدة على اراضيهم التاريخية التي بات من اللازم التثقيف عليها واعلانها شاء من شاء أوأبى من أبى.
ان التهديد بقطع الماء والتلويح باستخدامه كسلاح هو منهج متأصل لدى القوم. فقد فعلوها مرات ومرات والتاريخ يشهد على ذلك فقد قطع اسلافهم الماء عن اجداد اهل الجنوب مرات عديدة اشهرها في معركة الطف يوم مات الحسين ابن بنت رسول الله واهل بيته وشيعته بما فيهم الاطفال الرضع عطاشا. واما التهديد بأغراق مدن الشيعة فقد عانى منه اهل الوسط والجنوب على مر العصور وهو ديدن القوم ومازالت كتب التأريخ تحدثنا كيف ان المتوكل العباسي ومن قبله الرشيد فتحوا الماء على قبر الحسين ليغرقوه فحار عنه الماء ومن هنا راحت ارض الحسين توصف بالحائر.والسؤال هو كيف يستطيع الشيعة تلافي وقوع هذا السيناريو الخبيث؟
الحل هو في تحديد جغرافية الدولة الشيعية. بكلمة أخرى باعلان الشيعة صراحة سيادتهم على اراضيهم التأريخية دون حياء او مواربة وهذا ما دعونا اليه قبل ثلاث اعوام وأشهرنا حينها الخرائط التي تبين الحدود الجغرافية لدولة شيعة العراق ومن ثم كتبنا عن معالم تلك الدولة وفي شكل نظامها السياسي ومازلنا نردد اذا لم ينجز الشيعة عاجلا تحديد جغرافية اراضيهم فانهم مأخوذون لاريب، ووقتها حددنا تلك الجغرافية من سامراء الى الفاو وهذا ما يعرف بالعراق التأريخي او العراق الشيعي على حد تعبير عالم الاجتماع حنا بطاطو(انظر كتاب العراق الجزء الاول) اعتمادا على ماجاء في كتاب الخوارزمي الذي كان اول من رسم تلك الخارطة ومن شاء فليراجع. ومن اجل ان تتضح الصورة اكثر نقول ان الخارطة الادارية للعراق الحالي مرت بعدة مراحل:
المرحلة الاولى وهي مرحلة العهد الملكي او العهد الانكشاري الاول حيث تتجسد المساحة الجعرافية الطبيعية لكل اقليم او ولاية من ولايات العراق آنذاك حيث تمتد جغرافية شيعة العراق من سامراء الى الفاو واستمر اعتماد هذه الحدود حتى في العهد القاسمي (انظر الخارطة اعلاه والتي تتضح فيها جليا ما كان يعرف بمنطفة الحياد مع الكويت والسعودية) اذ لم تتلاعب حكومة الزعيم قاسم بتلك الحدود الى ان بدأت المرحلة الثانية وهي مرحلة الحكم العارفي او العهد الانكشاري الثاني حيث بدء التلاعب بتلك الحدود لدوافع طائفية محضة وهو مايمكن تسميته بالطائفية الجغرافية اذ عمد عبد السلام عارف الى توسيع رقعة الجغرافية السنية على حساب الارض الشيعية حيث بدأت الخارطة العراقية تشهد توسع اراضي السنة يومها ظهرت الرمادي بمساحة ضعف مساحتها الاصلية في العهد الملكي والرمادي هي عاصمة محافظة الانبار حيث ولد عبد السلام عارف الجميلي في احد قراها النائية والغائرة في عمق الصحراء المنسية. (ادناه الخارطة الادارية للعراق في العهد العارفي او العهد الانكشاري الثاني حيث تبدور مساحة الرمادي اكبر من مساحتها في العهد الملكي).
بعد ذلك بدأت المرحلة الثالثة حيث حكم البكراو العهد الانكشاري الثالث الذي لم يتردد في الاستمرار بمنهج الطائفية الجغرافية الذي وضعه سلفه عارف حيث شهدت هذه المرحلة ولادة مايسمى بمحافظة صلاح الدين والتي عاصمتها تكريت فأبتعلت هذه سامراء وقضمت جزء من بغداد وسبب ظهور هذه المحافظة على الخريطة يعود لكون البكر من مواليد تكريت وفي نفس الوقت تمددت الانبار أكثر لتقضم هي الاخرى اجزاء من بغداد ومن مدينة كربلاء ولتبتلع ثلثي مساحة بحيرة الرزازة في محاولة مكشوفة للسيطرة على مصادر المياة وحرمان الشيعة منها ايضا. ( انظر الخارطة ادناه التي تمثل الخارطة الادارية للعراق في العهد البكري او العهد الانكشاري الثالث).
غير ان الطامة الكبرى وقعت في المرحلة الرابعة والتي أبتدات رسميا في العهد الصدامي حينها تمددت الانبار جنوبا في عمق الاراضي الشيعية لتقضم ماتبقى من الصحراء الشمالية والجنوبية التي تمتد من النجف الاشرف وحتى السماوة ولتصبح مساحتها لوحدها ثلث مساحة العراق تقريبا وتوسعت صلاح الدين حتى وصلت حدودها الى تخوم كركوك حيث أ ُلحقت بعض الاراضي للشيعية التركمان كقضاء طوزخورماتو بصلاح الدين.( انظر الخارطة اعلاه وهي تمثل الخريطة الادارية للعراق في العهد الصدامي او العهد الانكشاري الرابع ).
ان الانظمة السنية المحتلة التي تعاقبت على حكم العراق امعنت في تطبيق منهج الطائفية الجغرافية بحق الشيعة الى حد التطرف وقد قرنت هذه السياسة بطائفية اقتصادية وبذلك نجحت الى حد كبير في تقويض كل مقومات الدولة الشيعية ووضعت الشيعة بين فكي كماشة هما الطائفية الجغرافية والطائفية الاقتصادية والتي تمثلت بسياسة التاميم التي طبقت في العهد العرافي الاول تحت يافطة الاستعداد للاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة وضربت هذه السياسة اقتصاد الشيعة بالصميم.كل ذلك من اجل افراغ الشيعة من مصادر القوة المالية والاقتصادية والجغرافية. لايمكن تفسير الطائفية الجغرافية التي اتبعت ضد الجغرافية الشيعية الا من منطلق عقدة الاقلية التي يعاني منها السنة في العراق فهم ولاجل التخلص من هذه العقدة راحوا يحتلون اراضي الشيعة والاكراد من اجل مقايضة المساحة الجغرافية بالكثرة السكانية لكل من الشيعة والاكراد وكأنهم كانوا يحسبون حساب اليوم الذي يزول فيه ملكهم الذي بنوه على حساب الاخرين وهذا ماصرح به زعيم هيئة علماء السنة مرارا وتكرار وقال اذا كنا نحن اقلية عديدة فاننا اكثرية جغرافية وراح يقايض المساحة الجغرافية بالكثرة العديدة كما يريد الان مقايضة الماء بالنفط.(انظر الخارطة ادناه التي اعدها معهد سميشن الامريكي للدراسات الاستراتيجية والتي يظهر فيها بوضوح النسب السكانية حيث السنة العرب كأقلية لاتتجاوز نسبتهم الـ 12 بالمائة كما هو مبين)
واذا كان هناك مايبرر للسني التمسك بوضع خارطة العراق بجغرافيتها الادارية الحالية على جدار مكتبه او منزله فما لايمكن فهمه هو قيام بعض الشيعة بنفس الفعل على العكس من الاكراد الذين يتحلون بوعي قومي يغبطون عليه فهم يرفضون وضع اي خارطة على جدران منازلهم سوى خارطة كردستان والى جنبها علم كردستان فهل سيزين الشيعة جدران منازلهم بخارطتهم وبعلم دولتهم ؟ امنية اتمنى ان تتحقق قريبا.
كيف الخروج من هذا المأزق الذي يواجه الشيعة؟ اعتقد انه يتحتم على شيعة العراق بأعتبارهم الاكثرية البرلمانية تشريع قانون يلغي التغيرات التي حصلت في الخارطة الادارية للعراق ايام الاحتلال السني الانكشاري ويلزم الجميع باعتماد خارطة الزعيم قاسم هذا اولا ًَ.( انظر الخارطة ادناه التي تبين الجغرافية الشيعية في العهد القاسمي الوطني ويرى فيها مناطق حماية_ اي بوفر زون _ للشيعة التركمان حيث ستكون هذه المناطق تابعة سياسيا للدولة الشيعية)
وضع الحجر الاساس لدولة شيعة العراق المرتقبة وذلك بالاسراع في تشكيل فيدرالية الوسط والجنوب بالاضافة الى فيدرالية بغداد والتي سوف تبقى للابد عاصمة الدولة الشيعية هذا ثانيا. ازالة الجيوب والمستوطنات السنية التي تحاصر بغداد والتي جيء بها ضمن سياسة الاستيطان التي اتبعتها الانظمة السنية المحتلة لتطويق بغداد بحزام سني وللفصل بين الاراضي الشيعية وبغداد وتقطيع الجسد الشيعي الواحد كما فعلت اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة هذا ثالثا. ( انظر الخارطة ادناه والتي تبين الحدود الجغرافية التقريبية لدولة شيعة العراق المرتقبة)
وبهذه الطريقة يكون الشيعة ابعدوا عن انفسهم شبح حرب المياه حيث سيكون القسم الاكبر من نهري دجلة والفرات يمر عبر اراضيهم وفي اراضي حلفائهم الاستراتيجيين الاكراد وبذلك يكونوا اسقطوا ورقة المياه من ايدي متطرفي السنة التي ارادوا اللعب بها ضد الشيعة. فالماء ماءنا والنفط نفطنا وللآخرين رمل الصحراء انها قسمة السماء. محمد حسن الموسوي
https://telegram.me/buratha