المقالات

اثر الحضارة الاسلامية في تطور الفكر الغربي

1331 13:00:00 2009-01-04

( بقلم : رياض الفرطوسي )

في الليل في مقهى - البالي بامستردام - وعلى حائط المقهى الضاج بالالوان ثمة لوحة جدارية ‏لقصر الحمراء في الاندلس وهي لوحة مفعمة بالضوء والنور والزرقة مثل براري طليقة , بدا كما ‏لو ان كل ما يمت لهذه اللوحه من تاريخ وحضارة يهبط بانتظار تدوين ذاكرة تلك الحضارة ‏الخضراء التي تعمق الشعور بالتامل لما وصلت له الحضارة الاسلامية بفناءاتها واتجاهاتها ‏الفكريه والعلميه والثقافيه .. نسيت صوت المطر الذي كان يهبط فوق نوافذ المقهى ولم يكن ‏امامي سوى ان ادون فصلا في اثر تلك الحضارة على تطور الفكر الغربي ....‏ان قراءة نقدية وجدية واسعه يقوم بها الافراد والمؤسسات حول الحضارة الاسلامية ودورها في ‏الفكر الغربي أمر ملح وجدي ومصيري , في واقع التحول الحضاري وفي طيات عصر الثقافة ‏والمعلومات والاختراعات المدهشه والمتواصلة . ان التعريف المعتمد للحضارة مع اختلافات ‏كثيره هي محاولات الشعوب الاستكشافيه في التفكير والاختراع والعمل والنتظيم من اجل ‏استغلال الطبيعه بغية الوصول الى مستوى حياتي افضل.‏اتفق اكثر الباحثين والمختصين على مختلف توجهاتهم وميولهم على ان الشرق هو مهبط ‏الحضارات , واصبح هذا الامر غير قابل البته للمناقشة او الجدل وهناك الكثير من المفكرين ‏والمستشرقين الغربيين المنصفين الذين طرحوا افكارهم ودافعوا عنها في هذا الاتجاه .‏

بعد انتشار الاسلام خارج الجزيرة العربية التقى بحضارات اخرى ذات اسسس قويه ولها مراكز ‏علمية وتعليمية مما حدى بالعلماء العرب الى ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية من يونانية ‏وسريانية ..... الى اللغة العربية , ومن هنا فقد قامت الحضارة الاسلامية ممثلة بعلماءها ‏بالتطور العلمي والتقني في مجالات هامة من كيمياء ورياضيات وفلك , وفن عمارة وزراعة ‏ونسيج ........‏

امتد تأثير الحضارة الاسلامية الى مناحي عدة منها ما هو ثقافي وطبي وعلمي , فنجد العلماء ‏العرب هم من وضع اولى الاسس العملية والطبية لممارسة الطب في اوربا ولازالت الابنية في ‏الاندلس مثل الحمراء وفي غرناطة وفي قرطبة والجيرالدافي في سفيل خير شاهد على تلك ‏البصمات المعمارية المتميزه التي تركتها الحضارة الاسلامية في غرب اوربا , ويمتد اثر تلك ‏الحضارة في اتجاهات عدة منها ما هو تكنولوجي ترك هذا الاثر بصماته في الحضارة الغربية ‏بين عام 800 و 1450 ويلاحظ انه يمكن ان يكون شكل الحضارة الغربية مختلفا بدون ارث ‏العلماء المسلمين في كل من مصر وقرطبة وبغداد والقاهرة.‏

ارتقت الحضارة الاسلامية في الاندلس بشكل رائع ومميز وخاصة في غرناطة وهي اخر المعاقل ‏لمسلمي اسبانيا خلال مئتي سنة , وهي عاصمة الاندلس وما احاط بها من مقاطعات فقد تمتعت ‏بمستوى من الحرية الدينية وزدهار علمي وفني لم يحظ به اي جزء اخر من اوربا , مثل الشعر ‏والفن المعماري , حيث طرح المثقفون اسئلة الفلسفة والدين والطب والدواء , وقام حكام ‏قرناطة العرب بتطوير نظام الري الزراعي والذي كان مستعملا حتى زمان الشاعر لوركا , ‏حيث الماء ينحدر من شلالات سيرا , ويغذي المدينة وما جاورها حيث الحقول والمزارع, ‏وهناك تطور اخر في المجال العلمي والثقافي والفكري تمثل في وصول كتب العلماء المسلمين ‏الى المراكز العلمية الاوربية بعد ترجمتها الى اللغات الاوربية وبقيت هذه الكتب مرجعا مهما ‏واساسيا لعدة قرون في اوربا . مثل كتاب _ القانون _ لابن سينا وهو الذي عرف في الغرب بانه ‏امير الاطباء كان له الامتياز الاعلى في كل ما يتعلق بما هو طبي في اوربا لعدة قرون فقد قام ‏بتطوير علم الادوية والممارسات السريريه والامراض النفسيه , وكتاب ابي القاسم الزهراوي ‏مرجعا اساسيا في جامعات اوربا ومدارسها مثل مدرسة سالنيرنيو في ايطاليا خلال نهايات ‏القرون الوسطى حيث تطرق في بحوثه واكتشافاته الى مرض الاستسقاء وامراض اخرى وخاصة ‏الامراض الوراثية بالاضافة الى استخدامة وابتكار تقنيات جديدة في الجراحة واستعمال الخيط الذي ‏استخلصه من امعاء القطط , وكتب جابر بن حيان في الكيمياء, وابن رشد في الفلسفة الذي ‏عرف كافضل التنويريين الاسلاميين ,ربط بين الاسلام والفلسفه حيث نقل للغرب تراث الاغريق ‏وطرح العلاقة مع الاخر والحوار الحضاري الذي نحن بامس الحاجة له في الوقت الراهن , ‏ويبدو انه كان يلمح الى ضرورة فصل موضوعين اساسيين الاول الشرعية وما يقتضي لها من ‏تخصص في الفقة واللغة والثاني الفلسفة وما يقتضي لها من تخصص في المناحي الفلسفية ‏ويضع قنوات فيما بين كل العلوم دون تداخل .ويستشهد المستشرق الاسباني مارتينيز على تاثير ‏الحضارة الاسلامية في اوربا بقوله لولا القرون الثمانية للحضارة الاسلامية في الغرب لبقيت ‏اوربا متخبطه في ظلمات الجهل والتخلف. وقد بقى هذا الارث شاخصا للنهضة العلمية والثقافية ‏الاوربية , فالثقافة الاسلامية شكلت حضارة تميزت بالعمق والشمولية في عصور لم تكن بقية ‏الحضارات قد تكونت بعد لذلك اثرت في تلك الحضارات مما جعل اوربا تستند في بداية نهضتها ‏الى القنوات العلمية المتقدمة من الحضارة الاسلامية كالهندسة المعمارية حيثت تميزت العمارة ‏الحديثة بنماذج لازال قسم منها موجودا تمثل بالزخرفة والفنون , والعمارة المشبعة بالفن ‏الاسلامي _ العمارة التي هي انعكاس لحضارة الانسان ومفاهيمه وتفكير مجتمعه ومثقفيه .‏

ان التعايش الحضاري يجب ان يستمر وان لا يقتصر على الماضي وانما يجب ان يبقى فالحضارات ‏لا تتصادم وانما تتلاقح لكي تساهم في اشاعة التسامح والحوار والتقارب والتفاعل .. فالحضارة ‏الغربية ( الحضارة الحديثة ) هي حضارة انسانية لانها استفادة من كل الحضارات التي سبقتها ‏ومنها الحضارة الاسلامية فتفاعلت معها وخرجت لتكون حضاره حديثة .‏

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
كريم محسن
2009-12-13
مقال له ابعاد فكرية وعلمية وطرح فيه محاور العلاقه مع الغرب , عاشت ايدك اخي الفاضل على هذا الجهد ونتمنى ان نقراء لكم دائما مواضيع كثيرة وشكرا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك