المقالات

كثيـر مـن الاقتصـاد.. قليـل مـن السيـاسيـة

2127 20:51:00 2008-12-24

مقال لوزير التخطيط العراقي الدكتور علي بابان منشور في مجلة الاوقات العراقية

العلاقة بين السياسة و الإقتصاد أشبعت بحثا ً وتمحيصا ً في ارجاء العالم الواسعة، واستقرت التجربة الإنسانية المتحضرة في هذه القضية عند ثوابت واساسيات تحولت الى ممارسة واقعية نهضت عليها أمم و ازدهرت بسببها شعوب... لقد توصّل العالم المتحضر في هذه القضية الى قناعة راسخة مفادها ان لاقوة لأمة بلا إقتصاد مزدهر.. ولا إستقرار لمجتمع بلا رخاء مادي... ولا تماسك لدولة او نظام بلا شعور عام بالرضا عن المستوى المعيشي،...القوة السياسية إذا لم تستند الى إقتصاد متين؛ فأنها عرضة للتلاشي والسقوط وما تجربة الإتحاد السوفياتي السابق عنا ببعيدة وهناك العديد من الشواهد، الإقتصاد القوي هو بالتأكيد قوة سياسية ولكن العكس ليس صحيحا ً دائماً، المنتصر في المعارك كما يقول نابليون: هو الذي يملك أخر دينار وليس المنتصر من يملك أخـر طلقة.

في العراق اليوم الكثير من السياسة والقليل من الإقتصـاد، لدينا حجم هائل من الشعارات والبرامج والأيديولوجيات والصراعات التي تندرج تحت تعريف السياسة ولدينا القليل من الخطط والرؤى والبرامج والإستراتيجيات الإقتصادية، وهـذا وضع معتل لا ينبغي له ان يستمر، نملك الكثير من الزعماء والمتزعمين والخطباء المفوهين والقادرين على الحديث في السياسة وشؤونها ولدينا عدد ضئيل ممن يتحدث عن هموم البناء وتحديات الإقتصاد وتصورات التنمية، في دول العالم المتحضر تتمحور السياسة حول الإقتصاد وتدور في فلكه وفي بلادنا يحدث العكس، الناخب في الدول المتقدمة يقرر أختياراته في ضوء برامج المرشحين الإقتصادية وسجلهم في هذا الجانب وليس وفق انتماآتهم السياسية، وفي العراق كل شئ خاضع للسياسة وتصنيفاتها.

نظرة واحدة مستبصرة لأوضاعنا تدلنا على أن الازدهار المعاشي يمكن ان يصنع الكثير للمجتمع العراقي، وأن يقلب المعادلات السياسية رأسا ً على عقب ويعيد رسم الخارطة الحزبية في مجتمعنا. الرخـاء يمكن ان يلغي التطرف بكـل صـوره واشكاله، مساحات الحـرمان فــي مجتمعنا هـي بالضبط مساحات التطـرف والتشدد فيه، وحيثما كان هناك مواطن عراقي واحد يشعر بالعـوز والحاجة فأن هناك قنبلة موقوتة في بنياننا الإجتمـاعي قد تنفجـر اليوم او غداً، السلم الاهلي مرتبط برضا المواطنين ولا يمكن لنا ان نتوقع سلما ً وأمنا ً في مجتمع تضربه أعاصير الحرمان والمعاناة.

في ظل الفقر والعوز والمعاناة كل قيمنا الإجتماعية مهددة، والعالم الإسلامي اليوم ونحن جزء منه يواجه هجمة حضارية لانه لم يستطع ان يبني نموذجاً متقدماً في بلدانه، ولا ان يجلب الرخاء لمواطنيه، التخلف الإقتصادي ليس قدرالمجتمعات المسلمة بل العكس هو الصحيح تماماً، وما لم تحصّن مجتمعاتنا نفسها بالازدهار الإقتصادي فأنها ستكون عرضة لأخطار شتى لا حصر لها.

في مجتمعنا العـراقي محرمات كثيرة سقطت تحت وطأة الحاجة والحرمان والمعاناة، هذه حالة يجب ان يفكر فيها السياسيون ويتمعنوا في نتائجها لا ان يسجنوا انفسهم داخل شرنقة من الشعارات والايديولوجيات التي لا تطعم خبزاً، عندما فرض الحصار الإقتصادي على العراق في عام 1991 اتضح لنا اننا لانملك إقتصاداًً راسخاًً محصنا يستطيع ان يتغلب على الحصار وان يهزمه ومنذ تلك اللحظة هزم العـراق وسقط مجتمعه، حدث هذا في 1991 ولم يحدث في عام 2003 عندما جاءت القوات الامريكية الى العراق، كان الإقتصاد العراقي اوهى من بيت العنكبوت؛ ولذلك كانت النتيجة واضحة منذ اول يوم من ايام الحصار. لافائدة ولاجدوى من الحديث عن قيم ومبادئ وكرامة وسيادة في ظل الفقر والتخلف والعوز والمعاناة، والايديولوجيات التي تقود الى التراجع هي ايديولوجيات فاشلة حتماً؛ لأنها عجزت في اختبار الحياة.

علينا ان نسترجع قيم الأسلام الأصيلة التي يعلن الكثيرون في الساحة السياسية العراقية تمسكهم بها، علينا ان نتذكر بأن هدف الانسانية في الحياة كما يصوره القرآن هو عمران الأرض وانه وفق هذا التكليف استحق الإنسان حق الخلافة في الأرض، علينا ان نتمعن في التوجية الإسلامي (كاد الفقر ان يكون كفراً) و(لاتجيعوهم فتكفروهم)، هذا التلازم بين الفقر والكفر، هو تحد للمجتمعات الأسلامية ومجتمعنا العراقي جزء منها. نريد ان نرد الإعتبار للإقتصاد ومسائله وقضاياه وتحدياته في العراق بعد ان اهالت السياسة والايديولوجيه والحزبيات والطائفيات التراب عليها. نطمح لتصحيح الإختلال المتمثل بالإهتمام بمسائل السياسة على حساب مسائل الإقتصاد ونأمل في ان نجعل الأقتصاد ومهماته محور الحياة السياسية والشغل الشاغل للمجتمع والمواطن. قد لاتبدو هذه المهمة سهلة في ظل الوضع العراقي الراهن بكل معطياته، غير انها ليست مستحيلة..، وانه تحد قررنا ان نخوضه مهما كانت الصعوبات؛ لأن وطننا يستحق ذلك.

هنالك من يتساءل كيف يمكن لمجتمع تحاصره المصاعب السياسية من كل جانب ان يولي وجهه صوب الإقتصاد، ويدير ظهره لتلك التحديات ويتغافل عنها، فيما هي تستهدف وجوده وكيانه؟ الذي نقوله هو: ان تركيزاً للانظار على الإقتصاد والازدهار بإمكانه ان يعيد ترتيب الأولويات لأي مجتمع وان يدخل تغييراً جذرياً على اهتمامات الوطن والمواطن، الرخاء يمكن ان يلغي الكثير من إشكاليات السياسة، لا داخل المجتمع الواحد فقط وانما حتى على صعيد العلاقات مع الدول، وعندما تصبح المصالح الإقتصادية الاهتمام الأول للأفراد والمجتمعات؛ فان الامم تكتسب المزيد من التماسك وتعيد حساباتها وفق تلك المصالح، لا يمكن ان نعتبر هذا مصلحة او انتهازية فهذا منطق متهافت ولكنه إعتبار عملي وواقعي ادركته الامم المتحضرة والمزدهرة وشادت نهضتها على أساسه.

نريد ان ننقل إهتمامات المواطن العراقي الى مدارات جديدة تخص مستقبله ومستقبل عائلته.. مدارات تنأى به عن الآفاق الضيقة والنقاشات العقيمة والمشاعر المتخلفة. نريد ان نزج بمجتمعنا في النقاشات التي تجتاح الكون اليوم، ونجعل من انفسنا جزءاً من هذا الحوار العالمي المتعاظم حول قضايا باتت تشكل بالفعل تحديات لحياتنا في هذا الكوكب.

نطمح ان نكون جزءاً من هذا التطور الكوني الذي جعل التكنولوجيا وثورة المعلومات والتقدم الصناعي أدوات المنافسة والصراع بين الأمم، ولأجل هذا كله جاءت (الأوقات العراقية) بذرة نريد لها أن تطرح الثمار ولو بعد حين، وخطوة على الطريق الطويل الذي نأمل ان يتكلل في اخر المطاف بحالة من الوعي الإجتماعي والادراك النخبوي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك