بقلم : سامي جواد كاظم
من اهم المسائل التي كثيرا ما عول عليها اصحاب الافكار العلمانية او المجانبة للدين الاسلامي هو اتهام الدين الاسلامي بالقصور في الرؤيا الاقتصادية مستدلين على ابحاث بسيطة تتحدث عن تحريم العمليات الربوية والكسب الغير معقول للبضائع الاستهلاكية الاساسية واصفين اياه بالخمول والمحدودية وعدم استطاعته من مواكبة التطورات الاقتصادية .وتعتبر الشيوعية هي الاولى في اتخاذ هذا الموقف من النظرة الاسلامية للاقتصاد بكل مفاصله ولكن السيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف خيب ظنهم بدراسته الفذة عن الاقتنصاد الاسلامي الصحيح مع ايضاح سلبيات الاقتصاد الاشتراكي ، وفعلا جاءت الافكار متطابقة مع الواقع الاقتصادي الهش الذي كان يعول وينادي عليه وبه الشيوعيون فانهدمت افكارهم بانهدام اقتصادهم .
والكل راى ان الراسمالية هي الصحيحة بسبب عدم وجود منافس لها او من يتصدى الى افكارها بالرغم من ان هنالك ردود اسلامية على طبيعة مجريات العمليات الاقتصادية طبقا للراسمالية .وحقيقة لو تفحصنا جيدا كتاب اقتصادنا لوجدنا فيه الرد الوافي للاقتصاد الراسمالي الا ان هذا غير بائن في الواقع طالما بقي وحده يلعب في الساحة . اليوم الكل سمع وتابع باهتمام بالغ بل وباسى بالنسبة للذين لديهم مصالح اقتصادية طبقا لهذا النظام عندما بدأت بالانهيار كبرى البنوك والشركات التي لها باع طويل في الاقتصاد العالمي . والكل يعتقد ان اسعار النفط والدولار واليورو هي السبب المباشر في هذا الهبوط مع الارتفاع الحاد والنزول القاسي لاسعار النفط جعل هذا الانهيار الاقتصادي يطفح على سطح الاخبار .
ولو حللنا وبطريقة بسيطة بدائية يتضح لنا ان الانهيار المعلن ليست اسبابه المباشرة هي النفط والدولار .الانهيار الاقتصادي دائما يكون اما بسبب عزوف المستهلك من شراء بضاعة معينة فعندها تكون المصانع المنتجة لهذه البضاعة هي التي تنهار فقط دون غيرها . او انتاج بضاعة افضل وارخص من البضاعة المتداولة في الاسواق ، عندها يحصل الانهيار وليس الافلاس بل التوقف والتصفية .هنا لننظر لماذا تعلن المصارف افلاسها ؟ وكيف تتصرف بالودائع المالية للزبائن ؟اضافة الى البورصة وما تبعها من اخفاقات مع اغلاق الكثير من هذه البورصات .فاذا كانت هذه الاموال تم تشغيلها بانشاء مصانع او مزارع او مقاولات اعمارية فلماذا تنهار ؟ هنا تظهر روعة الدين الاسلامي في تشريع العمليات الاقتصادية الصحيحة حتى تتحاشى الخسائر الانهارية ولكن الخسارة الطبيعية فهي موجودة بل يؤكد الشارع الاسلامي ان المضاربة التي لا تتضمن الخسارة لا تعد شرعية .اذن سبب الانهيار الاقتصادي من خلال المتابعة لطبيعة عملياتهم الاقتصادية هو البيع والشراء بالاجل مع عدم التحرز من العمليات الربوية وخصوصا البنوك التي كثيرا ما يؤكد فقهائنا على حرمة التعامل مع البنوك التي تضع نسبة ثابتة للارباح معتبرة ذلك وجه من اوجه الربا .
السبب الرئيسي للانهيار هو عندما بدأت اسعار النفط بالصعود السريع هنالك الكثيرين مما حاول ان يسبق زيادة السعر فيعقد العقود على كميات هائلة من النفط باسعار اليوم على امل ان غدا سيتضاعف السعر وعندها سيتضاعف الربح ، والبعض الاخر يقوم بحجز كميات كبيرة مع تسديد مقدمة لهذه الصفقة حتى يمكن له تصريفها في الاسواق العالمية والحصول على ارباح من خلال المناقلة .ومن جانب اخر هنالك بنوك اودعت اموالها لدى شركات مقابل الحصول على نسبة ثابتة من الارباح اعلى من التي تمنح للزبون الذي يودع ماله في هذه البنوك .عندما انهار سعر النفط وبفعل فاعل وبخطة مدروسة هنا انهار الذي اشترى باسعار اكثر من الضعف وانهار الذي هو ملزم بتسديد ما تبقى عليه من مستحقات من الصفقة التي عقدها مع المنتجين وبما انهم عجزوا فما كان منهم الا اعلانهم الافلاس والانهيار وهنا لا يحصل اصحاب الاموال ولو على جزء يسير من اموالهم المودعة على اقل تقدير من خلال بيع ممتلكات هذه الشركات المنهارة لان هذه الشركة هي عبارة عن بناية واجهزة كمبيوتر فقط ولا هنالك موجودات ثابتة او مصانع او مزارع يمكن بيعها بالمزاد العلني حتى تقلل من خسائر الزبائن .
التسامح بين البائع والمشتري كثيرا ما يؤكد عليها الاسلام حتى يمكن للاقتصاد ان يستمر من جهة ومن جهة اخرى يبعث روح المودة والتعاطف بين الطرفين وكثيرة جدا هي الاحاديث التي تتطرق الى المسامحة في البيع والشراء واسترجاع البضاعة المباعة من غير الزام البائع بالاسترجاع بل بالمسامحة ، يقول امير المؤمنين (ع) (التاجر فاجر ما لم يتفقه بالدين ) .فلو كانت هذه حاضرة اليوم في الاقتصاد العالمي لما حدث هذا الانهيار هذا اذا لم تكن اصلا طبيعة اعمال هذه الشركات والبنوك المنهارة هي اعمال نصب واحتيال .
الجانب المهم ان هذا الانهيار وانا اراه من وجهة نظري هو عملية مدروسة قامت بها الادارة الامريكية وبخباثة لاسباب لها علاقة بالانتخابات الامريكية حيث ان النقطة السلبية التي سودت وجه الجمهوريين هي حروبهم واما الديمقراطيون فان اكثر دراساتهم تتعلق بالاقتصاد العالمي وكيفية انعاش الاقتصاد الامريكي، فكان هذا الانهيار الذي يعد فصل من فصول المسرحية الانتخابية الامريكية .
https://telegram.me/buratha