( بقلم : احمد عبد الرحمن )
بعد فترة غير طويلة من الصمت او السكون، اطلق الشيخ يوسف القرضاي رجل الدين المصري المقيم في قطر، والامين العام لاتحاد علماء المسلمين قنبلة طائفية جديدة، حينما حذر بشدة من غزو شيعي للبلدان الاسلامية السنية، وبدلا من ان يعتذر ويتراجع القرضاوي عن ما قاله بعد ردود الافعال والضغوط والانتقادات التي تسببت بها تحذيراته ليس من اوساط المذهب الشيعي فحسب، بل من اوساط المذهب السني ايضا، ومن جهات توصف بعضها بأنها متشددة، راح يؤكد مرة اخرى ويشدد على ماقاله.
ليست هذه هي المرة الاولى التي يتبنى بها القرضاوي مواقف واراء متشددة ومتشنجة تساهم في اثارة وتأجيج الفتنة الطائفية وتكون بمثابة صب المزيد من الزيت على نار تلك الفتنة التي تخبو في بعض الاحيان بفضل جهود الخيرين والمخلصين والحريصين على وحدة الامة الاسلامية. فالقرضاوي، كان احد رموز التحريض على العنف والارهاب في العراق، تحت يافطة مقاومة الاحتلال، فقد ساهم مع علماء دين متشددين من المملكة العربية السعودية وبلدان اخرى بأصدار فتاوى وبيانات تحض الارهابيين على التوجه الى العراق وتنفيذ عمليات "مقاومة"، في ذات الوقت كان من بين الذين يقولون بأن العمليات الانتحارية في العراق تعد مقاومة لكن في غيره من البلدان الاسلامية تعد ارهابا، واكبر دليل على ذلك انه كان من اشد المدينين لعمل ارهابي وقع في قطر قبل ثلاثة اعوام، بينما كان الارهابيون يحصدون يوميا بسياراتهم المفخخة واحزمتهم الناسفة ارواح عشرات-ان لم يكن مئات-العراقيين الابرياء دون ان يحرك ساكنا او ينبس ببنت شفه.
ومن بين نتائج قيام القرضاوي بصب الزيت على نار الفتنة، تعرض مايقارب ثلاثمائة موقع الكتروني على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) تابعة لمكاتب مراجع دين ومؤسسات ومراكز علمية وبحثية واكاديمية شيعية في مناطق مختلفة من العالم الاسلامي، لعمليات اختراق وقرصنة من قبل جماعات متخصصة بالارهاب الالكتروني.وهذا ما معلن ومرصود حتى الان، ولاشك فأن هناك ممارسات وسلوكيات وعمليات ارهابية بصور واشكال مختلفة قد تكون حدثت بفعل تحريض يوسف القرضاوي.
وليس هذا بالامر الغريب، اذا عرفنا ان تغذية الفتن الطائفية، والشد المذهبي، وتأجيج الشارع، غالبا ما ينطلق من مراكز ومؤسسات وشخصيات لها ثقلها وتأثيرها وحضورها الاعلامي والديني لدى هذا المكون او ذاك، ولعل العراقيون لمسوا عن كثب تلك الحقيقة، خلال الفترة المؤلمة التي عاشوها جراء استفحال الارهاب في مختلف مناطق البلاد بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء ربيع عام 2006، الذي حصل بفعل فتاوى تحريضية من بعض ما يسمى بعلماء الدين.
والملفت ان اوساطا سياسية واعلامية وحتى دينية سنية في اكثر من بلد عربي واسلامي وجهت انتقادات واضحة للقرضاوي، او انها تعاطت مع تصريحاته التحريضية بطريقة سلبية بالنسبة له، عكست تقديرا صائبا للامور ورؤية تنطوي على قدر لابأس به من العقلانية.
فعلى سبيل المثال فأن صحيفة الرياض السعودية القريبة من مؤسسات الحكم في الرياض، والتي نشرت مقتطفات من تصريحات القرضاوي في مكان بارز من الصفحة الاولى لاحد اعدادها، عادت في عدد لاحق لتسجل اعتذارها في نفس المكان وبنفس المساحة، معتبرة ان قيامها بنشر التصريحات، كان في غير محله، اضافة الى ذلك فأن رئيس تحريرها تركي بن عبد الله السديري خصص المقال الافتتاحي للصحيفة بعددها الصادر بتأريخ الثالث عشر من ايلول الجاري للحديث عن الاثار والتبعات السلبية والخطيرة للمنهج الخاطيء للشيخ القرضاوي وامثاله على الامة الاسلامية، التي تحتاج الى الخطوات والمبادرات التي من شأنها المساهمة في توحدها لا تشتتها وتشرذمها، وزيادة حدة التناحرات والاحتقانات، واشاعة اجواء عدم الثقة بين مكوناتها.
ومثال اخر على موجة الانتقادات التي تعرض القرضاوي من الاوساط السنية يتمثل بما كتبه رئيس تحرير صحيفة الشرق الاوسط اللندنية الممولة والموجهة من قبل المملكة العربية السعودية والمعروفة بتبنيها مواقف سلبية من عموم الكيان الاسلامي الشيعي، اذ قال في مقال له بعدد السبت الماضي، العشرين من شهر ايلول-سبتمبر الجاري "لم يراع كثير من علماء السنة ما يجري على الارض ولم يقفوا عند التحولات السياسية التي احدثت ما يشبه الزلزال، ولم ينتبهوا لما يحاك لدولهم، بل استمرت الفتاوى المربكة والمخيفة ومن نصيب الشيخ-يقصد القرضاوي-منها فتواه بجواز العمليات الانتحارية للفسطينيين، وقلنا يومها ياشيخ ومن يضمن ان لا نراها في بلداننا، وهذا ماحدث"!.
وهذه شهادة ورؤية لاتحتاج الى شرح وتفسير، ولايمكن لاي كان ان يقول انها تأتي في سياق الاحتراب الطائفي والمذهبي، بل جاءت بقلم شخص لايعبر عن وجهة نظره بقدر ما يعبر عن وجهة نظر مؤسسة سياسية عليا في واحدة من اكبر دول العالم الاسلامي واكثرها تأثيرا من الناحية الفكرية والمالية على عشرات الملايين من ابناء العالم الاسلامي.
ليس متوقعا ان يتراجع القرضاوي لانه يعمل وفق اجندات وحسابات معينة، لاتحتمل التراجع والاعتراف بالخطأ، لان لاشيء يأتي عفويا، ولكن الى م سيصل من وراء ما يفتي به ويدعو له.. او بعبارة اخرى الى م سيصل من وراء صب الزيت على النار مثلما تفعل قناة الجزيرة التي ربما لاتبعد سوى مرمى حجر عن مقر اقامته الفخم في الدوحة!.
https://telegram.me/buratha