يبدو أن مسلسل “معاوية”، الذي يُعرض في رمضان هذا العام، ليس مجرد عمل درامي، بل مشروع لتزييف التاريخ الإسلامي وتشويه صورة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مقابل تلميع بني أمية وإضفاء صورة بطولية على معاوية بن أبي سفيان.
فمنذ حلقاته الأولى، ظهر المسلسل وكأنه إعادة كتابة للتاريخ بمنظور يخدم رؤية معينة، دون الالتزام بالحقائق التاريخية أو السياق الإسلامي الصحيح.
إحدى أكبر المغالطات التي وقع فيها المسلسل هي تشويه البيئة الزمنية والجغرافية للحياة بمكة المكرمة في القرن السابع الميلادي. فقد ظهرت كأنها مدينة عثمانية في القرن الثامن عشر، حيث الأثاث الفاخر، والأزياء التي لا علاقة لها ببيئة الجزيرة العربية في ذلك العصر.
هذا التزييف المتعمد لا يخدم إلا صناعة صورة خيالية لال ابي سفيان، متجاهلًا حقيقة أنهم من مدينة بسيطة ذات منازل طينية وبيئة قاسية تختلف تمامًا عما تم تقديمه في المسلسل.
ولم يكتفِ المسلسل بالتزييف التاريخي، بل زاد على ذلك بإدخال مشاهد لا تليق بعمل يفترض أنه يعالج أحداثًا إسلامية، مثل مشاهد ولادة هند بنت عتبة لمعاوية بطريقة غير لائقة، واللقطات التي لا تمت بصلة إلى سياق تاريخي محترم، وصولًا إلى مشهد استحمام معاوية بن أبي سفيان وهو أمير للشام مع جاريته، وهي أمور لا تضيف قيمة تاريخية بقدر ما تكشف عن توجه تسويقي هابط على حساب القيم الدينية واحترام المشاهد المسلم.
الأخطر من ذلك أن المسلسل لم يكتفِ بتزوير التاريخ لصالح بني أمية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتشويه صورة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث صُوّر وكأنه زعيم عصابات يهاجم القوافل ويخطف النساء من عوائلهن المستقرة ويتزوجهن، كما تم تقديم قصة زواج أم المؤمنين أم حبيبة (رملة بنت أبي سفيان) بطريقة مشوهة، وكأنها عملية سطو وسلب للمشاعر، حيث أظهر المسلسل هروبها من مكة، ثم زواج النبي بها ثم مهاجمة قافلة والدها التجارية في معركة بدر،
في حين أن الحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها هي أن أم حبيبة عليها السلام هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة، وبعد أن ارتد عن الإسلام وتوفي هناك، تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة السادسة للهجرة، ولم يكن هناك أي “اختطاف” أو “كسر قلوب”، كما يحاول المسلسل تصويره بطريقة هوليودية مفضوحة.
المسلسل يستمر في تهميش آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتصويرهم بصورة هامشية، مقابل تلميع صورة بني أمية، وخاصة معاوية بن أبي سفيان، وكأنه القائد الملهم الذي ظلمته كتب التاريخ، وهو ما يعكس انحيازًا واضحًا في سرد الأحداث، خدمة لرؤية معينة تتجاهل الحقائق المثبتة.
وإذا كان ما شاهدناه حتى الآن من تزوير وتحريف في عشر حلقات فقط، فمن المتوقع أن تحمل الحلقات القادمة المزيد من المحاولات لإخفاء حقيقة بني أمية الإجرامية، التي يحاول صناع المسلسل تقديمها للأجيال على أنها تاريخ مشرف، بينما هي في الحقيقة صفحة سوداء مليئة بالمؤامرات والظلم والقهر.
ما يقدمه مسلسل “معاوية” هو محاولة جديدة لطمس الحقيقة وإعادة تقديم التاريخ الإسلامي بمنظور منحاز يخدم أجندة معينة على حساب الحقائق.
قد ينجح العمل في إثارة الجدل وجذب المشاهدين، لكنه لن يغير حقيقة أن التاريخ لا يُكتب بالدراما، بل بالبحث والتدقيق في المصادر الصحيحة.
وننتظر ما سوف يتم تزويره في الحلقات القادمة من المسلسل ما بعد مقتل عثمان بن عفان وانقلاب معاوية على خليفة رسول الله امير المؤمنين علي عليه السلام بعد استلامه مقاليد حكم المسلمين.
https://telegram.me/buratha
