( بقلم : محمد علي المياحي )
لا تعجل علي أخي القارئ، وتأمل جيداً هذا النوع الجديد من الاختطاف الذي يجري لإخوتنا من أهل السنة في العالم أجمع، وليس في بريطانيا وحدها. اقرأ أولاً ما تفضل به الشيخ عرعور في قناة المستقلة ليلة أمس: قال عرعور: انظر ماذا فعل أهل السنة ؟ جمعوا الأحاديث الصحيحة فوضعوها في البخاري ومسلم، ووضعوا الباقي في كتب سموها الضعاف، أي (رموها في الزبالة). (لا تؤاخذوني على النص فهو قريب جداً مما قال، أما المعنى فمطابق تماماً خصوصاً كلمة الزبالة)
ولنا أن نطرح التساؤلات التالية: 1 ـ صنّف عرعور الأحاديث إلى صنفين: الصحيح والضعيف فقط، فهل يرضى علماء أهل السنة بهذا التصنيف؟ 2 ـ أين يقع في هذا التصنيف مسند الإمام أحمد بن حنبل (وهو أقدم من البخاري، وصاحبه إمام مذهب معروف) وموطّأ الإمام مالك (وهو كذلك) وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان وعشرات المصنفات غيرها؟ هل هي ضمن (الصحيح) أو (الزبالة)؟ 3 ـ هل يفسر الحديث الضعيف بالحديث الموضوع؟ وهل أن كل ضعيف موضوع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وآله؟ أو أن هناك احتمالاً (ولو ضعيفاً) أن يكون قد صدر عن النبي صلى الله عليه وآله فعلاً؟ فإن فسر الضعيف بالموضوع فقد كذب على أهل السنة، وزور تعريفهم له. وإن فسره كما قالوا فكيف يجرؤ أن يذكر (الزبالة) مع احتمال كون الضعيف صادراً عن النبي صلى الله عليه وآله؟ لاحظ عزيزي القارئ رأي علماء أهل السنة في تصنيف الأحاديث: قال الإمام محيي الدين النووي في المجموع الجزء الأول صفحة 59 : (قال العلماء: الأحاديث ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف. ثم قال: فأما الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد، وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام كالقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب). وهذا في غير الموضوع من الأحاديث فإنه يحرم روايته عندهم كما ذكر العلماء. فليس كل ضعيف مكذوباً وموضوعاً كما أوهم عرعور الناس في قناة المستقلة، وليس كل ضعيف يرمى في (الزبالة) إنما هو حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وآله، ويحتمل صدوره منه، ولكن لا دليل على صدوره منه فعلاً ولا قرينة على ذلك، فلو توفر الدليل أو القرينة أصبح حسناً أو صحيحاً. فإذا كان احتمال صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وارداً فكيف يجرؤ عرعور على هذه اللفظة ويرميه في الزبالة؟ ما أعظم هذه الجرأة ... ونعوذ بالله من هذه اللفظة.
فهل عرفت أخي القارئ كيف أن هذا التيار الوهابي المنحرف يتصدى لقيادة سفينة أهل السنة ويقفز على أوضح ثوابتهم ويتحدث باسمهم، ويختطف رأيهم؟ سيما أن صوتهم الحقيقي غير مسموع لا في المستقلة ولا غيرها، فهم مظلومون في هذا الباب ولا تقلّ مظلوميتهم عن مظلومية الشيعة (فكرياً). بل ربما كانت مظلوميتهم أكبر لأن الشيعة يعيشون انطلاقة فكرية كبرى ويستطيعون إيصال صوتهم أنى شاؤوا ومتى شاؤوا وأن يصرحوا بمعتقداتهم ومتبنياتهم الفكرية. أما السنة (الحقيقيون) فليس لهم من المنابر الإعلامية إلا القليل، وما ترونه من منابر باسم أهل السنة لا تمثل سوى مجموعة من متطرفي الحنابلة وبقايا الأمويين وأذناب المخابرات ودوائر الأمن، أما الغالبية الساحقة منهم فأصواتهم مغيبة.وليس خافياً عليك أن قناة المستقلة كلها أصبحت تبعاً للأمير نايف وزير الداخلية السعودية، فهي واجهة أمنية صارخة تدار من قبل المخابرات. وهكذا في المنابر الإعلامية الأخرى التي تدعي الحديث باسم السنة.لاحظوا كيف يوجه عرعور كلامه أكثر من مرة إلى عرب الأهواز ويذكر مظلوميتهم المزعومة وكيف أنهم ليس لديهم مدارس عربية، فما علاقة هذا بالحوار بين الشيعة والسنة؟ ولست أدّعي هذا الفرق بين هؤلاء المأجورين والسنة الحقيقيين دون دليل، فلدينا علاقات واسعة مع شخصياتهم العلمية ومؤسساتهم الفكرية ولهم معنا مشاركات وفعاليات ثقافية واجتماعية، وهم يرفضون عرعور وأمثاله كما نرفضه نحن وأكثر.
ومن هنا لا بد من التوقف قليلاً عند الخطاب الشيعي، وضبطه بما يتلاءم مع الواقع لا مع الظاهر الإعلامي، والتمييز في الخطاب بين جمهور أهل السنة من جهة وبين متطرفي الحنابلة والوهابيين وأذناب الأمويين وأدوات المخابرات الإقليمية والدولية. وكذلك التمييز بين النقد العلمي الموضوعي، وهو قائم في ضمن المذهب الواحد، بل حتى بين أشخاص معدودين، وبين الطعن والتجريح والإساءة للآخر وشتمه والافتراء عليه. فالأول ظاهرة صحية تعني التجديد وتلاقح الأفكار وتنقيحها وإعادة النظر فيها، أما الثاني فهو ظاهرة جاهلية لا يلجأ إليها إلا الضعفاء الخائفون المنهزمون أو الجهلة الحاقدون أو أصحاب الأغراض الدنيئة.
https://telegram.me/buratha