دکتور منتظر الشيخ عمار الشویلي
في كل مرة تثار فيها قضية قتلى الحادي عشر من سبتمبر يظهر سؤال جوهري يتعلق بطبيعة الدولة وقدرتها على تذكر او تجاهل الالم. حين يعبر محمد بن سلمان عن تضامنه مع عائلات الضحايا الامريكيين يتحول الموقف الى نموذج حي لانتقائية الذاكرة السياسية. دولة ترى الجرح البعيد لكنها تتعمد عدم رؤية الجرح القريب الذي كان نتاج سياسات او افراد ينتمون اليها. هذا التناقض ليس سياسيا فقط بل هو مثال لما يسميه نوزيك اللاتناسب الاخلاقي بين الفعل والعقاب. فالدولة لا تعتذر لانها مذنبة بل لان قوة اكبر تجعل الصمت مكلفا. القوة لا الاخلاق هي التي تحدد اتجاه الاعتذار.
الدولة ككيان فضائي للمصلحة
يرى نوزيك ان الدولة ليست عقلا اخلاقيا بل الية تتحرك بفعل المصلحة. لذلك حين اعتذرت السعودية او دفعت تعويضات للولايات المتحدة لم تكن تمارس فضيلة بل كانت تتحرك وفق منطق البقاء والامتثال لسلطة قادرة على ايلامها اقتصاديا وسياسيا. اما العراق فبرغم آلاف الشهداء الذين سقطوا بفعل دعم اعلامي او مالي او بشري قدم من خارج حدوده فانه لا يمتلك المحفز الذي يجبر الرياض على الاعتراف. لا يمتلك الثقل الذي يجعل الصمت السعودي مكلفا وبالتالي لا حاجة لاعتذار. الدول في منطق نوزيك لا تفعل ما هو صحيح بل ما لا يمكنها تجنبه.
لماذا لا يطالب العراق
ليس لان الدم اقل قيمة بل لان الدولة العراقية تفتقد شروط المطالبة:
1 ضعف الدولة الحدية القادرة على فرض الحقوق دون ان تبتلعها تناقضات الداخل
2 الارتباطات الخارجية التي تعيد تعريف المصلحة الداخلية
3 انعدام قدرة الدولة على فرض نظرية الاستحقاق النوزيكية حيث لا يحصل الفرد او الجماعة على حقها ما لم تستطع اثباته بقوة القانون
4 غياب اوراق الضغط التي تجعل التعويض نتيجة كلفة سياسية لا خيارا اخلاقيا
العدالة حين تصبح اختيارية
في فلسفة نوزيك العدالة ليست نتيجة اتفاق عالمي بل نتيجة قدرة. لا عدالة مطلقة بل اعترافات قسرية تنتزع من الدولة حين تواجه قوة اكبر. لذلك قد تعتذر السعودية لامريكا لكنها لا ترى ضرورة للاعتذار للعراق. ليس لغياب الجريمة بل لغياب القوة التي تحول الجريمة الى ملف يجب الاعتراف به.
العراق بين الضحية والواجب
اذا اراد العراق المطالبة بحقوقه فعليه ان يتقن لعبة الدولة: بناء مؤسسات قوية واحتكار القرار السيادي وامتلاك قدرة توليد الكلفة على اي تجاهل خارجي وتشكيل ملف قانوني دفاعي. فالدولة في منطق نوزيك لا تعطيك حقك لانك مظلوم بل لان خسارتها اكبر من ظلمك. وعندها فقط يتحول العراق من ضحية تتألم الى دولة تفاوض.
الخاتمة
في عالم تحكمه المصالح لا شيء يضمن اعتذارا او تعويضا او اعترافا الا القوة التي تجعل الاعتذار ضرورة والتعويض خيارا والاعتراف مكسبا. العدالة لا تنتظر دموعك بل تنتظر قدرتك.
https://telegram.me/buratha

