عبد الجبار الموسوي ||
في الدول التي تسعى إلى ترسيخ العدالة، لا أحد فوق القانون، سواء كان موظفاً صغيراً أو رئيس حكومة. لكن في العراق، تبدو هذه القاعدة غير مطبقة، خصوصاً إذا كان المخطئ سياسياً مدعوماً بتحالفات أو محصناً باتفاق سياسي. السياسي في العراق قد يشرّع قانوناً خاطئاً، يعيّن الفاشلين، أو يزج البلد في أزمات… ومع ذلك لا يُحاسب. أما الموظف الصغير، فإن أسوأ ما في الأنظمة العقابية جاهز ضده.
في عهد صدام حسين، كان القرار الفردي هو القانون، فدخل العراق في حربين مدمّرتين – ضد إيران والكويت – خلّفتا مئات الآلاف من الضحايا وعزلة دولية خانقة. ولم تكن هناك مؤسسات قادرة على محاسبته، لأن الحاكم كان فوق القانون.
وبعد عام 2003، ورغم الحديث عن الديمقراطية والدستور، لم يتغير الكثير. تحوّلت الحكومات إلى محاصصات حزبية، يُوزع فيها النفوذ حسب الولاء السياسي لا الكفاءة. فشل وزاري واضح في ملفات الكهرباء والصحة والمالية، لكن لا محاسبة… فقط تدوير للمناصب.
خذ مثال وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي. أثيرت ضده ملفات تتعلق بفساد عقود التسليح وسوء الإدارة، لكن في أحسن الأحوال تمّت إقالته. لم يُحقق معه أمام القضاء، ولم يُعرض على محكمة علنية. أما لو أن موظفاً عادياً ارتكب خطأ إدارياً صغيراً، لعوقب بأقصى العقوبات، ومنها قرار مجلس قيادة الثورة رقم 880 لسنة 1988، الذي يجيز فصل الموظف لمجرد الشك أو التقصير، حتى دون إثبات الفساد.
هنا يظهر التناقض الصارخ:
• السياسي الفاشل يُقال بهدوء ويُعاد تدويره.
• والموظف الصغير يُفصل ويُعاقب وربما يُسجن.
لكن هناك دول أثبتت أن العدالة ممكنة حتى ضد السياسيين الكبار:
• في بنغلاديش، تم سجن رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء بتهم فساد وسوء استغلال السلطة، رغم شعبيتها الكبيرة.
• في كوريا الجنوبية، تمت محاكمة وسجن رئيسة الجمهورية بارك غيون هي بعد فضيحة فساد كبرى، ونُفّذ الحكم بحقها دون تدخل سياسي.
• وفي الفلبين، خضعت الرئيسة السابقة غلوريا أرويو للاعتقال والمحاكمة بسبب اتهامات بالفساد وسوء استخدام الأموال العامة.
هذه الدول – رغم تواضع إمكاناتها – طبقت مبدأ “لا أحد فوق القانون” بحق رؤساء وقادة سياسيين. أما في العراق، فلا تزال الحصانة السياسية أكبر من سلطة القضاء، وأقوى من الدستور نفسه.
الخلاصة:
الحصانة السياسية في العراق تحوّلت إلى مظلة للفشل، تمنع المحاسبة وتسمح باستمرار الخراب.
ولا يمكن بناء دولة عادلة دون كسر هذه القاعدة الظالمة: أن السياسي لا يُحاسب، مهما ارتكب من أخطاء.
العدالة تبدأ حين يكون القانون فوق الجميع، لا العكس.
ومن يُخطئ… يجب أن يُحاسب، سواء كان موظفاً في الدائرة أو وزيرا في الحكومة
https://telegram.me/buratha
