المقالات

اتفاق وقف إطلاق النار: هل كان خطأ ارتكبته قيادة حزب الله؟!

779 2025-01-24

منذ فترة، والجدل قائم حول مفهوم النصر والهزيمة أو الربح والخسارة، إضافة إلى سجالات سياسية سطحية تدور حول كيفية وقف إطلاق النار والآليات التي تم اتخاذها.

لنكن صريحين: قرار قيادة حزب الله باتفاقية وقف إطلاق النار كان واحدًا من أكثر القرارات أهمية وجرأة منذ تأسيس الحزب. فالتشكيك في هذا القرار يعكس إما جهلاً مطبقًا أو سوء نية تجاه الطائفة الشيعية والمقاومة ككل.

لماذا الاستعجال؟ دعونا ننتظر بضعة أسابيع فقط، وستتكشف الأمور جليًا، وسيدرك الجميع أن قرار وقف إطلاق النار كان خطوة استراتيجية فوتت الفرصة على الكيان الإسرائيلي للقضاء على حزب الله خاصة، وعلى الطائفة الشيعية عامة.

إذا كانت قوة حزب الله والثنائي الوطني ما زالت تقريبًا على نفس مستوى العدد والتأثير، ويتم التعامل معهما داخليًا ودوليًا بهذه الطريقة، فكيف سيكون حال الشيعة إذا انتهى حزب الله وتفككت قيادته وحُلّ تنظيمه؟ حزب الله يقدم الدعم لأكثر من مئتي ألف شخص من عوائل الشهداء والجرحى. إذا تفكك الحزب، من سيتولى رعاية هؤلاء؟ ما هي الوظائف التي سيعملون بها؟

أيها الساسة والإعلاميون، وخاصة من يدور في فلك المقاومة، هل تريدون لهؤلاء أن يتشردوا في الطرقات ويصبحوا عبئًا على المجتمع؟ قرار وقف إطلاق النار لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل كان قرارًا صائبًا ودقيقًا وحكيمًا، لا يتخذه إلا رجال دولة كبار وقيادة عظيمة تعي أبعاد الواقع السياسي والعسكري والاجتماعي.

عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية شكّلت منعطفًا كبيرًا، وكان دخول حزب الله في عملية إسناد لغزة استجابة لمتطلبات الواقع. من خطب سماحة السيد حسن نصرالله، بدا واضحًا أن الحزب لا يريد الحرب، لكنه أدرك أنه لا خيار سوى الإسناد لمنع انهيار المقاومة في غزة، ووقف إطلاق النار هناك جاء ليحفظ المكتسبات ويمنع الكارثة.

الجميع يعترف أنه لولا هذا الإسناد من حزب الله، لما تحقق النصر في غزة. هذا النصر لم يكن فقط عسكريًا، بل كان انتصارًا لموقف المقاومة الديني، والعقائدي، والإسلامي، والعروبي.

رغم كل ما قدمه حزب الله، يجب أن نتذكر أن المعركة في غزة لم تنتهِ بعد. القرار الأمريكي-الإسرائيلي بترحيل الغزاويين إلى أماكن ودول مختلفة لا يزال قائمًا، مما يعني أن وقف إطلاق النار، سواء في لبنان أو غزة، قد يكون هشًا. العدو الإسرائيلي ما زال يسعى لاستكمال مشروعه العدواني وإنهاء المقاومة.

قيادة المقاومة، وعلى رأسها سماحة الشيخ نعيم قاسم، أكدت أن تنفيذ شروط وقف إطلاق النار هو مسؤولية من وقع هذا الاتفاق، سواء داخليًا أو دوليًا، وحزب الله ملتزم بذلك. هذا الموقف بحد ذاته يقلب المعادلة السياسية، ويسحب الذرائع من أيدي كل من يحاول توريط المقاومة والبيئة الشيعية في حرب تهدف للقضاء عليهم.

قرار وقف إطلاق النار كان أكثر من خطوة عسكرية أو سياسية؛ كان تعبيرًا عن رؤية استراتيجية عميقة تحفظ للمقاومة استمراريتها وتمنع المخاطر عن شعبها.

بعد سلسلة الاغتيالات التي استهدفت قيادات بارزة في حزب الله والتفجيرات التي طالت آلاف المنتسبين للمقاومة، كان من الواضح أن حجم الاختراق الأمني بلغ مرحلة خطيرة. هذا الوضع فرض على القيادة اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار حفاظًا على أرواح المقاومين ومنع انهيار البنية التنظيمية للحزب. فالأحداثيات كانت مكشوفة بالكامل، والعدو الإسرائيلي كان قادرًا على تنفيذ المزيد من الضربات القاتلة بسهولة.

النقد الموجه لقرار وقف إطلاق النار يعكس تناقضًا صارخًا. هؤلاء المنتقدون أنفسهم هم من استفادوا من هذا القرار ليواصلوا اليوم نشاطهم السياسي أو الإعلامي. فلو استمرت الحرب، لكان مصيرهم إما التهجير أو السجن بتهم الإرهاب، وفي أفضل الأحوال، الدفن تحت التراب.

أما من يبرر استمرار الحرب استنادًا إلى مفاهيم دينية، فهو بعيد كل البعد عن فهم الدين أو السياسة. استمرار القتال في ظل الظروف القائمة، بما في ذلك استشهاد السيد نصرالله (رضوان الله عليه)، كان سيؤدي إلى عزلة داخلية وخارجية، وتدمير ممنهج للطائفة الشيعية. التجربة الفلسطينية في غزة خير مثال على المصير الذي كان ينتظر المدن والقرى اللبنانية.

إن ما قام به بواسل المقاومة في جنوب لبنان من منع لتوغل العدو الإسرائيلي وحماية الحدود والسيادة، مقارنةً باجتياح العدو الإسرائيلي لغزة واحتلال أجزاء إضافية من سوريا، يوضح الفارق الكبير في النتائج. هذا النجاح يؤكد أن الحفاظ على هذه النخبة المقاومة الصادقة هو الأهم، والعمل على استمراريتها كان أعظم إنجاز يمكن تحقيقه في تلك الظروف.

للأسف، أثبتت بعض الأبواق الإعلامية والسياسية عدم كفاءتها في دعم المقاومة، بل زادت الوضع تعقيدًا. تصريحاتهم العشوائية ومواقفهم المرتبكة أضرّت بصورة المقاومة وأسهمت في التشويش على رسالتها.

كما ان عمليات القبض على عدد كبير من العملاء خلال الفترة الأخيرة أكدت حجم المؤامرة التي كانت تُحاك ضد المقاومة والطائفة الشيعية. لو استمر القتال دون تنظيم ودون اتخاذ قرار استراتيجي كوقف إطلاق النار، لكان الوضع أكثر خطورة.

علينا ان لا ننسى ان لا فرق جوهري بين سياسة الشهيد السيد نصرالله (رضوان الله عليه) وسياسة سماحة الشيخ نعيم قاسم. القيادة في حزب الله قائمة على رؤية استراتيجية موحدة، تحمل المسؤولية بروح الفريق. استهداف السيد نصرالله لم يكن مجرد اغتيال شخصي، بل كان يهدف إلى ضرب العمود الفقري لمحور المقاومة.

إن المشككين بقرار وقف إطلاق النار داخل الطائفة الشيعية يشكلون خطرًا حقيقيًا، ليس فقط على المقاومة، بل على الطائفة بأكملها. دعواتهم المتهورة تفتح الباب أمام المزيد من الخسائر والانقسامات.

الختام: موقف واضح مطلوب

حان الوقت لتعلن قيادة حزب الله بشكل واضح أنه لا علاقة لها ببعض الأبواق الإعلامية التي تدّعي تمثيل المقاومة. الدعم الذي حصلوا عليه في لحظة ما كان تقديرًا لجهودهم، لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم يعكسون رؤية الحزب أو يمثلونه.

ناجي علي امهز

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك