المقالات

بانوراما الرعب العراقي حدود بلا حلول


( بقلم طالب الوحيلي )

من اولى المعضلات التي كان يعانيها الشعب العراقي في العهد الصدامي هي معضلة العدالة وغربتها عن الواقع اليومي بالرغم من توفر مناخ عام لتطبيق القانون بصرامة لا متناهية ،فضلا عن سهولة اصدار النصوص القانونية الملزمة التي كانت لا تحتاج الى التعقيد الذي ينبغي ان تمر به كآلية معترف بها في العالم المتحضر ،لغياب السلطة التشريعية أصلا وانحصارها بأمزجة وردود أفعال الطاغية وحاشيته ،فيما بقي مجلس قيادة الثورة المنحل كسلطة عرفية بحكم الظروف الطارئه التي قامت اثر انقلاب 1968 من القرن الماضي ولم تنتهي الا بانتهاء نظام الحكم نفسه ،دون ان يترك( للمجلس الوطني) أي سلطة تشريعية سوى التصفيق والاهازيج للقائد ومعاركه وقراراته العجيبة .

الظروف الطارئة التي حكمت سياسة النظام ،كانت كفيلة بإنهائه لولا لجوئه للقوة المفرطة التي استغل فيها البعد التشريعي استغلالا بشعا ،فكان لابد له ان يعالج الأزمات الاقتصادية بقوانين عقابية توصل مخالفها الى الاعدام مثال ذلك إعدامه 25 تاجرا او قطع ايدي العديد منهم بحجة تعاملهم بالدولار في وقت ابيح به التداول من خلال البنوك العراقية ،او إصداره قرارات بتحريم بيع او تصنيع الحلويات حفاظا على النسبة الدنيا لتداول مادة السكر خلال مدة الحصار الاقتصادي ،ناهيك عن فرض الإتاوات ومصادرة الأموال الخاصة للتجار الكبار والسيطرة على السوق من خلال شركات المقبور عدي وبقية افراد العائلة ،وما دام الأمن العام هو الوعاء الذي يمكن ان تستقر به الحياة ،لاسيما معالجة الجريمة العادية التي تقع على الاموال والافراد وفرض احترام النظام العام ،فقد سادت القواعد الصارمة والمغالاة في تطبيق اقسى العقوبات وابتكار عقوبات لامثيل لها في القوانين المشابهة او التي هي من جنس القانون العراقي كعقوبات قطع الايدي وصواوين الآذان وقطع الالسن ووسم الجباه وقطع الرؤوس والاعدام العلني في الاماكن العامة .وهي جميعها قادرة على فرض أمن مشوب بالخوف من سلطات رجال الأمن والمخابرات والاستخبارات والجهاز الحزبي ،مادامت كلها تنظر الى التهمة كجريمة تمس الطاغية بذاته قبل ان تكون اعتداءا على النظام العام ،وويل لمن مس شعرة من جلد ذلك النظام حتى ولو في الحلم .

قد يحلو لبعضنا ممن آرقه الواقع العراقي الجديد ان يتجرأ فيقيس على الماضي ،ويبتغي بعض المعاذير لدعوى الاستفادة من تجارب النظام البائد في معالجة الازمات المتفاقمة والتي استفحلت كثيرا بمرور الايام دون ان يتمكن احد من معالجة ابسطها او أقربها الى حياة المواطن اليومية ،بالرغم من ان سقوط صدام وجلاوزته كان بمثابة الخلاص الأبدي من كل أنواع الظلم والاضطهاد ،لكن بقايا النظام البائد ومن منطلق جمع بين النزعة الطائفية التكفيرية وبين السعي من اجل العودة الى الحكم بالرغم من الإرادة الشعبية التي حققها الشعب بأغلبيته المطلقة من عرب وكرد واقليات أخرى ،وقد أعلنت ثورتها الدستورية وأسست لدستور دائم لا مثيل له في العالم المحيط على اقل تقدير ،هذا القياس يأتي من حقه الشرعي والقانوني كون مصلحته العامة هي اولى به ان تدفعه الى عدم التسامح او المساومة على مصيره وما قدمه من تضحيات ،لاسيما وانها صارت وسيلة لقتله اليومي وما يفقده من حياته وماله وآماله ..

الواقع والقانون وقواعد حقوق الانسان يجب ان ترجح كفة الشعب الذي فقد الالاف من الابرياء بين ذبح دون ذبح الشياه وقتل وحشي وتفجير يذهب بارواح العشرات في رمشة عين وفي كل يوم ان لم يشهد اليوم الواحد اكثر من حادثي تفجير انتحاري او عن بعد ،ومصير الشعب العراقي وما يهدده من حرب اهلية ترجح كفة القبض على كل من تسول له نفسه مس امن المجتمع والنظام السياسي بادنى جرم ،واحالته الى القضاء العادل لكي تطبق عليه احكام القانون العراقي الذي مازال محافظا على نصوصه التي ورثها من الأنظمة السابقة واقرها دستوريا لتكون ملكته العقابية ضد مخالفي القانون والمتمردين عليه.

ومع كل ذلك صدر قانون مكافحة الارهاب بحدود معتدلة لا تبعد كثيرا عن النصوص التي تضمنها قانون العقوبات العراقي ،لكن المجحف حقا ان القانون العراقي بقديمه وجديده قد اركن جانبا ،وكأنه قد عطل هو والسلطة القضائية امام مستوى الجرائم الارهابية التي لم تذعن لقانون ولا لدين ،ولعل الحديث في هذا الامر اصبح نوعا من البطر ،مادامت السمة السائدة هي التمرد على القانون بل ان مصيبة القاضي العراقي اليوم هي عدم تمتعه بنعمة الامن والاستقرار النفسي الذي يشترط لكي يفصل بالقضايا التي تعرض امامه ،ولنا في ذلك اكثر من شاهد وهم رعيل القضاة الذين استشهدوا في سبيل تحقيق العدالة ،وتلك مصيبة يتحمل وزرها القائمون على المؤسسات الامنية بين داخلية ودفاع وامن وطني ،ناهيك عن قوات الاحتلال التي اخفقت بقصد او بدونه في وضع الخطط الصحيحة والطبيعية لمعالجة الملف الامني ،وقد اختلط على المرء توزيع قواطع عمليات ومسؤوليات تلك الجهات ،حيث الخلل الكبير في تداخل تلك القواطع واختلاف تحركاتها مما يسهل على قوى الارهاب الحركة والمناورة ويفسح مجالا كبيرا للاختراقات بين صفوف تلك الجهات ،فيما نجد ان الترهل قد صاحب عمل الشرطة المحلية وقواطع النجدة وتلك معضلة اخرى تثير حنق المواطن وقلقه بدل شعوره بادنى حدود الامان .

ويبقى القصور ينتاب فعل ورد فعل مجلس النواب مادام يحمل في جنباته اكثر من نفس مدافع عن الارهاب صراحة او تورية ،ومادام يفتقر الى الحد الادنى من الانسجام العصري الذي ينبغي ان يضع مصلحة الدولة العراقية فوق مصلحة الطائفة التي اجبرت ان تتبنى هوية المعارضة السياسية التي تضمحل كثيرا امام خطاب الإرهاب ومتبنياته،فما أجملها لو تبرأت بصدق من قتلة الشعب العراقي ومستحلي دمائه وحرماته ومبيحي القتل على الهوية..

طالب الوحيلي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك