المقالات

أوهام صدام ومصادر معلوماته عن إيران


د.محمد العبادي ||

 

لو أعطيت مدينة خاوية على عروشها لسياسي وإداري خبير؛ لأقام قواعدها وجعلها بلدة ذات قرار ومعين.ولو أعطيت مدينة عامرة بتخطيطها وزينتها وزخرفها لرجل أحادي الطرف والتصرف؛ لهدم قواعدها واهلك الحرث والنسل فيها .

لقد كان رأس النظام السابق عبارة عن (شقاوچي) تولى مسؤولية دولة ؛ فقد كان يحمل السلاح في أغلب أوقاته، ويتحدث عن العدو والمعارك في أغلب خطاباته ،ويدير الدولة ( بالعنتكه وأطرو نصين ) .

لقد كان عدوانياً يهوى الحروب مع جيرانه ومع أبناء بلده ،وصبغ سياسة الدولة الداخلية والخارجية بالعنتريات والبطولات الفارغة .

لقد كان رأس النظام السابق ( بطيء الفهم ) بحسب وصف الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني،وكان يفهم الأمور بشكل متأخر ،ومع ذلك أطلق عليه المتملقون والخانعون لقب ( القائد الضرورة، والحكيم المهلم و..و..).

نعم كان (بطيء الفهم)، وعرف صدام متأخراً ان الحرب مع إيران كانت من صنع (القوى الشريرة) كما ذكر في رسالته في شهر نيسان سنة ١٩٩٠م إلى القيادة الإيرانية ؛ بل فهم متأخراً ان حروبه عبثية استهلكت ثروات العراق ،ولم يحصد منها نتيجة إيجابية .

نعم حصد العراق نتيجة مؤلمة من الخسائر تقدر بمئات القتلى والجرحى؛ فضلاً عن الخسائر المادية التي أكلت ودائع العراق والتي كانت تقدر بحوالي(٨٠ - ١١٠) مليار دولار،واما خسائر الحرب فقدرتها رئاسة الأركان ( ٣٥٠) مليار دولار ،ناهيك  عن الديون والتي كانت (٤٦) مليار دولار .

أما حرب الكويت؛ فمضافا  للخسائر البشرية،هناك الخسائر المادية حيث فقد العراق كثير من قوته ومعداته العسكرية ،وطالبت الكويت بالتعويض وجمعوا الديون فكانت (٤٠٠) مليار دولار ،وحتى العمالة المصريين وغيرهم طالبوا بالتعويض لأنهم فقدوا أعمالهم وايضاً ترتب على ذلك أضرار نفسية ومادية وأيضاً طالب الأشخاص الذين إتخذهم نظام صدام كدروع بشرية طالبوا بالتعويض ،واخذوه من ثروات العراق التي بددها النظام السابق . 

إنها بركات الرئيس القائد على الشعب العراقي!

عود على بدء ؛من المفارقات أن المعلومات التي كان يتلقاها الرئيس صدام وجهازه الحزبي والأمني عن إيران غير صحيحة بالمرة،وهي عبارة عن أوهام في أوهام، وليس لها أي صلة بالواقع .

ربما هي رغبة صدام حسين أن لا يرى الحقيقة ،وربما هي رغبة القوى الخفية ونوابضها الفاعلة في المنطقة ،وقد يكون لديوان رئاسة الجمهورية بمديرياته المختلفة يد في ذلك التضليل المتعمد في تقديمهم تقارير ومعلومات زائفة ترضي رغبة الرئيس على حساب الحقيقة.

وكأمثلة عن المعلومات غير الصحيحة التي كان يطنطن بها صدام حسين مايلي :

في سنة ١٩٨٢م إجتمع الرئيس السابق بأعضاء القيادة القطرية ،وخصص جزءً من حديثه عن إيران وقال بلهجته المعهودة: ( الإيرانيين عدهم أطماع توسعية ضد العراق وضد الأمة العربية كلها،وقد أعلنوا عنها مو فقط باللسان بل بمحاولاتهم المستمرة لإجتياز  الحدود الدولية)!

هذا الحديث قد قاله صدام آنذاك والجيش العراقي كان قد توغل إلى داخل الأراضي الإيرانية في ( البستين والخفاجية والشوش وخرمشهر أو المحمرة وغيرها ) وبعمق

 عشرات الكيلو مترات .

هذا المنطق المعكوس والمنكوس كان صدام يقوم بتسويقه للناس، وها قد مضى على الحرب أكثر من ثلاثة عقود زمنية فهل احتلت إيران بلداً عربياً؟!

ويواصل الرئيس السابق حديثه في الإجتماع نفسه بلهجته وبألفاظه الركيكه ،ويقول :( آخر تصريح إلهم للمتهم بالعقل أكثر من سواه خامنئي. خامنئي يقول :إحنا راح نظل نقاتل وربما نروح إلى بغداد حتى يسقط صدام حسين . إذنْ هذه هي أهدافهم).

لا أدري من هو الشخص أو الجهة التي تقدم مثل هذه المعلومات المفبركة ،وربما صدام يصنع الكلام من أفكاره الخاصة( يكذب الكذبة ويصدقها) .

لم أعثر على هذا النص لا في خطب الجمعة للسيد الخامنئي، ولا في خطاباته وكلماته ،ولا أدري من أين أتى بهذه المعلومة الفريدة؟! .

هل قدم له جهاز المخابرات هذه المعلومة الكاذبة ،أو الجهاز الحزبي، أو وزارة الخارجية ،أو الإعلام المغرض، أو قدمتها جماعة معارضة للنظام، أو وصلته من أحد دول الجوار التي تدور في فلك المصالح الأمريكية ؟!.

من المفترض في عالمنا اليوم ان تعرف عدوك جيداً ،ومع ان صدام قد إتخذ من حكام إيران اعداءً له ،لكنه كان يجهل جهلاً مركباً شخصيات النظام في إيران، وقد خلط بين السيد علي خامنئي الذي كان آنذاك رئيساً للجمهورية وبين رئيس الوزراء مير حسين موسوي خامنه، واعتبر مير حسين خامنه اخو السيد علي خامنئي في حين لا توجد صلة قرابة بينهما ؛ وقد ذكر  الرئيس صدام ذلك أثناء اجتماعه بأعضاء القيادة، وقال باللهجة العامية: ( إنگل لخامنئي الذي نعرف وين إرتباطاته وبأي القوى والتأثيرات هو مرتبط هو وأخوه رئيس الوزراء ،وضمن أي خط ماشين)!

 هذا رئيس دولة يتحدث بلغة إتهامية هابطة، ولا يعرف شيء عن عدوه ويتصور ان السيد خامنئي أخاً لموسوي خامنه ! .

وكمثال آخر : بعد أن وضعت الحرب أوزارها،وتوقفت الحرب

ثية مع إيران؛جاء وفد من إتحاد المحامين العرب،وكعادة السيد الرئيس: (اخذهم بالحچي حاصل فاصل )ودخل معهم بالحديث عن إيران  -والتي كانت عقدته الدائمة المستحكمة -؛ وقال لهم : (الحق من وجهة نظر حكام إيران هو أنهم يقومون بإحتلال العراق ،وتأسيس إمبراطورية بإسم الإسلام في الوطن العربي وربما خارج الوطن العربي لاحقاً...لقد أدركت الأكثرية الساحقة من شعوب إيران ان حكامهم على باطل ..).

هذه الأفكار غير صحيحة ،وقد كانت تعشعش في عقل وصدر الرئيس السابق وأزلامه في الحزب والدولة .

من أين يأتي صدام بهذه التصورات والأوهام؟! ها نحن نشاهد إيران اليوم لديها من البأس والقوة ما يفوق عقد الثمانينيات من القرن الماضي بعشرات المرات ؛فهل عملت على تأسيس إمبراطورية لها في دول الخليج أو في سورية والأردن والعراق ولبنان وغيرها؟!

ثم إننا نشاهد الشعب الإيراني على وفاق واتفاق محكم مع حكومته؛ فهل تعمد الرئيس صدام ان يتعامى عن مشاهدة مناسبات الثورة الإسلامية والمناسبات الوطنية وكيفية حضور الناس وتفاعلهم في تلك المناسبات؟!

إنّ هذه الأفكار السوداء كانت تسوقها أمريكا وإسرائيل وحلفائهما  ضد إيران بهدف خلق الفتنة والخلافات بين دول المنطقة، ويبدو لي أنهم نجحوا في وضع قنوات معلوماتية لتضليل أصحاب القرار.

وكم نفخت أمريكا في تسعير نار الحرب ،وقدمت معلوماتها في أكثر من هجوم ،وفي سنة ١٩٨٢م وصلت معلومات كاذبة للقيادة العامة للقوات المسلحة بقيادة صدام بأن إيران قامت بإعدام الأسرى ( هذه المعلومات مسموعة ولا يوجد دليل ولا حتى اسم واحد من الأسرى تم إعدامه في البسيتين ).

وبناءً على هذه المعلومات قاموا بعملية (ثأرية)! في قاطع البسيتين - الشيب ،وقد خاض المعركة الثأرية الفيلق الرابع بقيادة اللواء الركن هشام صباح الفخري، وذهب ضحية ذلك آلاف الأبرياء.

أعتقد أن رأس النظام السابق بسياساته واخطائه القاتلة كان يفتقر إلى المعلومة الصحيحة حول إيران، وربما كان هناك عوامل سيكولوجية وميول حزبية أو عوامل دولية ومحلية وإعلامية قد تركت تأثيرها على شخصيته في إتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة.

 لقد كانت معلوماته غير صحيحة وانعكس ذلك على قراراته القاتلة ،حيث جنى فيها  على نفسه وخسر أهله واتباعه ،فضلاً عن ما لحق شعبه من مآسي لازالت آثارها قائمة .

 

ــــــــــــــــــــــ

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك