المقالات

جعفر الصادق؛ مدرسة في التخطيط السري وجهاد التبيين


سميرة الموسوي ||

 

·         لمناسبة إستشهاد الامام جعفر الصادق عليه السلام .

 

في عصر الامام جعفر الصادق ،كانت الظروف متلاطمة: السياسية والاجتماعية والاخلاقية،فكانت الامة تزخر بمظاهر الفساد ،كما أن الخطوط العامة للعقيدة لم تكن واضحة في أذهان الناس وفي سلوكهم وذلك لما كانت تتميز به السياسة العباسية من تزوير لصورة الفقه والدين عن طريق الوضع في الحديث مع كثرة الفتيا بالرأي وتشتيت التشريع الاسلامي بجعله زاخرا بالعناصر الغريبة ولا سيما في مصادره التشريعية كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها من الامور التي أفقدت التشريع خاصيته وأصالته الاسلامية ،وفضلا عن ذلك فإن حكام بني العباس كانوا يعون خطورة وجود أهل البيت عليهم السلام في المجتمع ،لذلك شجعوا الغلاة والمتصوفة وغيرهم حتى ظهرت حركات غريبة ومباديء فاسدة ،وهذه كلها أصبحت خطرا على وجود وكيان الاسلام التشريعي والعقائدي ، وكان الصراع السياسي المستمر دون هوادة مع الصراع المذهبي العنيف قد أدى الى جعل الامة في دوامة بحيث يتعذر عليها معرفة واقع الاسلام .

 إن هذا الواقع كان واضحا أمام الامام الصادق عليه السلام ،فليس سوى التناقضات والتيارات المنحرفة التي تعيشها الامة ،ويمكن أن نفرز نوعين من الانحراف تَمثلا أمام الامام عليه السلام ، إحداهما إنحراف على الصعيد السياسي متمثلا بالجهاز الحاكم والدولة ،وإنحراف خطير في إتجاهات الامة وجهلها بواقع الرسالة ،ومن المؤكد أن الامام عليه السلام كان يعيش رقابة صارمة فكل خطوة محسوبة عليه من العيون العباسية المبثوثة حوله والتي تطارده بلا هواده ،ولكنه عليه السلام كان من الذكاء والحكمة والالهام ما يجعل كل هذه الظروف سهلة على كل تحركاته وسهلة على تنفيذ خططه الحكيمة التي بقيت خير مسار عام لأهل البيت عليهم السلام من بعده ولكل المسلمين المخلصين المنظوين تحت لواء أهل البيت ومباديء الاسلام التي لم يطالها التشويه .

 وأزاء ذلك الواقع بكل توصيفاته الفكرية والعمليه و السياسية كان على الامام أن يؤدي عملا فاعلا يتناسب مع ما يتصف به إمام مثله ،فالواقع المتردي والبالغ الخطورة يمثل تحديا لإمكاناته ،ولذلك لم يكن ،ووفقا للحسابات المنطقية أن يفكر بعقلية المواجهة السياسية للحكم ، ومن الجدير بالذكر أن الامام عليه السلام لم يكن قاصرا عن المواجهة المسلحة بمفهوم الامكانية الشخصية الشجاعة ،لكن هذه المواجهة ستكون آنية ولا تحقق المراد من إقامة حكم الاسلام الصحيح ، لكن الأوجب ،وكما توصل اليه ذهن الامام عليه السلام عند دراسة الواقع هو أن يعد جيشا عقائديا يؤمن بالاهداف الكبيرة التي ينبغي أن تسود ويحملها الجيش المنشود .

 هكذا فكّر الامام الصادق عليه السلام وخطط للإنصراف كليا للعمل داخل الامة ويبني فيها قواعده الشعبية بناء واعيا وذلك لان الطليعة المؤمنة بالفكر والمباديء هي التي تسير سيرا حثيثا بقناعة وإيمان .

 ويتعذر علينا في هذه العجالة أن نلم بالانجاز الفكري والعقيدي الذي أنتجه الامام حتى سمي المذهب كله بإسمه ( المذهب الجعفري) ، ولكن الذي نتوخاه من معرفة فخامة الانجاز الجعفري ، وندخره لظروفنا هذه هو القدرة الفذة للامام عليه السلام حين وازن الظروف آنذاك وإستخلص منها إنجازه الذي حفظ به الاسلام من الانحراف ، وسلك طريق الحق ولم يستوحشه حتى خرج بمشكاة الفكر المحمدي القرآني ، وقد وصل في تخطيطه وعمله الفاعل الى تخريج أربعة آلاف تلميذ تشربوا فكر أهل البيت وفي تلك الظروف ، يقول الامام عليه السلام ( رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا ،كانوا دعاة البناء بأعمالهم ومجهود طاقتهم ليس كمن يذيع أسرارنا)

 كان النصر في أنشطة الامام عليه السلام في التخطيط والتنفيذ السري من جانب وفي جهاد التبيين من جانب آخر فكانت أهداف التخطيط تترصن بجهاد التبيين ، تبيين الالتزام بسرية النشاط الثوري وتبيين حق أهل البيت بكل مناسبة لا تؤدي الى المواجهة السياسية .

__ كل ما أوردنا من ظروف عاشها الامام وعمل فيها بفاعلية ، هذه الظروف هي نفسها التي تتلاطم اليوم  في العالم الاسلامي ولا سيما في بعض الدول الاسلامية وكأن الاعداء فيها يطاردون الامام الصادق عليه السلام .. ،ولذلك فإن مناسبة استشهاده ليست للاحتفالية والاستذكار فحسب ،ولكن لكي نضع أقدامنا على آثار مسيرته الكريمة ، لكي نطعن الطواغيت بقدرات إمامنا ، ونعبر التعبير الصادق والعملي بمنهج إمام المتقين عليه السلام في الحق والحرية والعدالة والكرامة الانسانية .

... هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون .

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك