المقالات

الثيوقراطية ودعاة التقديس


محمد الكعبي  ||

 

عند التنقيب في بعض الافكار والنظريات والطقوس والعادات والثقافات والتعمق في طياتها، سنكتشف  ان وراءها  الكثير من الدوافع  والاهداف من أجل التحكم بمصير الشعوب والترأس عليها وسرقة خيراتها، مما يجعلنا امام وقائع تحتاج منا اجابات مقنعة أمام وابل من التساؤلات والتي تتردد على السن الكثير وخصوصا الشباب الواعي ومنها

(الحاكم المقدس)، والتي تعني إن فلان مقدس أو مسدد ولا يمكن الاعتراض عليه أو نقده فضلا عن محاسبته, ولكن عندما نتعمق في طيات البحث ونغوص في اعماق تلك الافكار سنجدها ذات منشأ سياسي وغطاء سلطويّ نابع من الانا وحب التسلط والاستعلاء واستغفال الامة لفرض حكم خاص عليها، وانها ليست وليدة العصر الحديث بل لها جذورعميقة في التاريخ ومن تلك النظريات ما يطلق عليها (شخصية السلطة): وهي نتيجة ترابط السلطة بفكرة الحاكم، وتسمى بالنظرية الثيوقراطية (الدينية) حيث تقوم هذه الفكرة على ان الله تعالى وحده هو صاحب السلطة والسيادة، وهناك ثلاث تصورات لهذه النظرية:

1ــ نظرية الطبيعة الإلهية.

2 ــ نظرية الحق المباشر.

  3ــ نظرية الحق الغير مباشر.

1ــ نظرية الطبيعة الإلهية: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم من طبيعة غير طبيعة البشر، أي ان الحاكم (إله)  يعيش بين الناس وفي أوساطهم ويحكمهم بنفسه، ويجب على الشعب طاعته وتقديسه بل تعبده فضلا عن عدم الاعتراض عليه لأن أوامره مقدسة ، وهذه النظرية سائدة في زمن الفراعنة والصين واليونان والرومان واليابان، وما قول فرعون لنبي الله موسى ×  { قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ  الْمَسْجُونِينَ } وقوله { ... أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى } لخير دليل على المدعى، وكان دستور اليابان سنة1889م، في المادة 3 من الدستور، والتي تنص على أن  الامبراطور مقدس وذاته مصونة، حتى جاء دستور عام 1946م، وهدم هذه الفكرة، لكن كم مقدس عندنا اليوم في بلداننا وكم إله يحكم ولا يحق للأمة الاعتراض . 

2- نظرية الحق الإلهي المباشر: تذهب هذه النظرية إلى إن الحاكم  بشر وطبيعته ليست إلهية لكن يستمد سلطته من الله مباشرة، وليس من البشر ولأنه قد استمد سلطته من الله فيحرم مخالفته ويجب طاعته وتنفيذ أوامره، فهو الحاكم المطلق ولا يحاسبه الا الله وحده لا غير، وقد انتشرت هذه الفكرة في أوروبا في القرن السابع والثامن عشر، واعتنقتها الكنيسة خصوصاً، وقد ذكر (لويس الرابع عشر ) في مذكراته بأن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق , فالله مصدرها لا الشعب وجاء في مقدمة المرسوم الذي أصدره (لويس الخامس عشر) إننا لم نتلق التاج إلا من الله، وتمسك بها امبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) الذي قال في خطابه عام 1910م: إن هذا التاج مِنحة من الله وحده).  وما أكثرهم اليوم الذين يدعون إن الله أختارهم دون سواهم.

3- نظرية الحق الإلهي غير المباشر:  تقوم هذه الفكرة على أن الحاكم من البشر وان الله لا يتدخل في اختيار الحاكم مباشرة، بل بطريقة غير مباشرة،  حيث يهيئ الاسباب والمقدمات على نحو يجعل الناس هي من تختار نظام الحكم والحاكم وبرضاهم ويتقبلون الانصياع إليه ويخضعون لسلطانه المطلق عليهم وبدون اعتراض منهم، أي ان الله هو الذي يمنح السلطة لأشخاص قد خصهم وبذلك يهيئ الاسباب لوصولهم للحكم وما الاسباب إلا أداة لتحقيق الإرادة الربانية لوصول من يريد إلى الحكم. وما أكثرهم في زماننا.

ويلاحظ على هذه النظرية الثيوقراطية بتصوراتها الثلاث، انها مصطنعة وتخالف العقل السليم، وتبرر الاستبداد والاستكبار وعنجهية الحاكم وليس لها مستند شرعي وتسلب أرادة الشعوب وحريتهم وتجعلهم عبيداً، وقد وضعها الحكام لتدعيم سلطانهم ،  كما هو حاصل اليوم حيث تمنح الحصانة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية لأشخاص وأحزاب يتحكمون بالأمة أنّا يشاءون، وجعلوا لأنفسهم مقامات فوق الآخرين  بحجة القداسة ، والاقزام و المتملقون والاراذل والجهلة قد صفقت لهم  وتهلل بحمدهم وتسبح بأسمائهم وتمسح تراب اقدامهم، انهم أمة تعيسة بائسة منحطة اربكت كل محاولة اصلاح وهي التي تقف بالضد من كل فكرة نيرة، بل تقاتل من يريد اخراجها من الحضيض وتحاربه لأنها لا تستطيع ان تعيس خارج الوحل ، { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، نعيش اليوم ازمة قيمية حيث ضعف الرادع الاخلاقي والوازع الديني، فكثر المقدسون بكميات تفوق علب معجون الطماطم (تونسا).

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك