الدكتور علي المؤمن ||
تم الكشف خلال الأيام الأخيرة، وللمرة الثالثة، عن الجذور العرقية لقائد (الأمة العربية) صدام حسين، عبر التحليل الجيني لل(DNA= الحمض النووي) الخاص بالسلالة الأبوية، وهو منهج علمي تجريبي يقارب الحقيقة بنسبة 90%، وأوضح الكشف أن أصول صدام هندية، وبذلك يتأكد مرة أخرى النسب غير العربي لصدام. وقد نشر العراقيون آلاف المقالات والتعليقات والكاريكاتيرات وصور الفوتوشوب، التي تسخر من صدام، مقابل دفاع مستميت عنه من قبل (الأمة العربية الطائفية) التي تشرفت بقيادة صدام طيلة (25) عاماً.
وفي قراءة موضوعية لهذه الموجة الإعلامية؛ يظهر أن بعض المعلقين ورسامي الكاريكاتير قد أخطأوا في تلميحاتهم التي فيها نوع من التعريض بالهنود، وكأنّ الأصل الهندي لصدام يستوجب الإزدراء؛ في حين أن الهنود أمة عظيمة، لها تاريخ عريق وحاضر مهم، بغض النظريات عن دياناتهم وعباداتهم؛ فهذا شأن بينهم وبين خالقهم.
وسبق هذا الكشف؛ تحليلات جينية لصدام حسين، أُعلنت في العام 2017، حملت نتائج متقاربة، لكنها أعطت للسلالة الشركسية القوقازية نسبة أكبر من السلالة الهندية (السندية)، مع نسب قليلة لشعوب تستوطن القوقاز أيضاً، وهي تشير الى اختلاط عرقي قوقازي - هندي.
وسبق أن أشرت في بعض مقالاتي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، الى فرضية الأصول القوقازية لصدام؛ فتحليل شكل جمجمته وعينيه وأنفه؛ يشير الى أصولٍ قوقازية. وتُعزز هذه الفرضية، الأحداث التاريخية التي شهدها العراق خلال القرون الخمسة الماضية؛ فجيوش الدولة العثمانية التركية جلبت معها، خلال احتلالها العراق، مئات آلاف الأتراك والشركس والألبانيين والداغستانيين والأرمن والشيشان والأنغوش والتتار والتركمان والسلاجقة، وذلك في الفترة من أواسط القرن السادس عشر الميلادي وحتى بدايات القرن العشرين الميلادي، وكان أغلبهم جنوداً، إضافة الى الموظفين والتجار والخدم والحرفيين، وقد استوطنوا العراق بالتدريج، وخاصة في بغداد ومناطق شمال العراق وغربه، وهي قوميات كريمة، لاتثريب على أصولها، لأن الإسلام يكرم كل البشر على أساس التقوى والعمل الصالح.
ولذلك؛ من الطبيعي أن تكون القوميات القوقازية حاضرة بكثافة سكانية في بغداد ومناطق الموصل وغرب العراق. أما حضور الهنود في بغداد ومناطق غرب العراق؛ فيعود تاريخه الحديث الى العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، حين دخل الهنود مع الجيش البريطاني بكثافة، واستوطنوا تدريجياً جميع مناطق العراق. ولايمنع أن تحصل المصاهرات بين المقيمين في العراق من مختلف الأصول، وهو ما يبدو أنه حصل بالفعل، حين تصاهرت أسرة والد صدام الشركسية مع أسرة هندية، وهو أمر وارد وطبيعي.
وسواء كان صدام شركسياً أو هندياً؛ فإن ذلك لايشكل انتقاصاً منه، لأن الهنود والشركس من القوميات العظيمة ماضياً وحاضراً، في حين أن الذي ينتقص من صدام هو ادعاءه الانتساب الى العرب زوراً وكذباً، وما مارسه من عنصرية ونازية وشوفينية ضد القوميات والشعوب الأخرى باسم القومية العربية. كما أن صداماً لايتحمل وزر انتمائه الى الهنود او الشركس، بل يتحمل وزر جرائمه ضد العراق والعرب والمسلمين والإنسانية، وكوارثه التي تسبب بها طيلة حياته.
ولو كان صدام حاكماً عادلاً نزيهاً أميناً، لما ضرّه أن يكون شركسياً أو هندياً أو آذربيجانياً أو حتى من الهنود الحمر والبوشمن والأمازون.
إنّ الكشف المكرر عن أصول صدام حسين الهندية والقوقازية؛ ينقض فرضية ويثبت أخرى:
الفرضية الأولى التي ينقضها هو أصول صدام اليهودية، والتي كانت تستند الى الانتماء العرقي التاريخي لسكان المنطقة قبل أن يقطنها العرب، أي أن الكشف الجيني ينقض يهودية صدام.
الفرضية الثانية التي يؤكدها هو أن والد صدام ليس حسين المجيد الناصري، بل شخص آخر مجهول، وهي فرضية كانت مشهورة بين كبار السن في قرية العوجة، أي أنّ والد صدام لم يكن من آل ناصر، وإنما كان من خليط عرقي شركسي هندي، لأنّ آل ناصر - كما نقرأ - عشيرة عربية قديمة التواجد في العوجة وتكريت.
((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha