جمعة العطواني ||
مركز افق للدراسات والتحليل السياسي
الثلاثاء25/ 4/ 2023
هي ليست ترفا سياسيا، او صراعا سياسيا حتى نقول لسنا طرفا بهذا الترف او ذلك الصراع، ان الهوية الوطنية هي صراع وجودي بين وجودنا بكل ما نحمله من تاريخ وجهاد مضمخ بالدم، وبين وجود الاخر بكل ما يحمله من انحلال وميوعة وذوبان بالامم الاخرى التي لا نرتبط مع بعضها باي وجود حتى(الوجود الانساني)، وربما يستغرب البعض من عدم الاشتراك بالوجود الانساني مع الاخر.
الانظمة السياسة قد تضمحل وتاتي غيرها، والتيارات الحزبية قد تنهار وتستبدل بغيرها، والحكومات هي الاخرى في حالى تبدل وتجدد، لكن الهوية الوطنية هي الثابت الذي لا يمكن ان يتغير، الا اذا تنازلنا عن وجودنا وذاتنا.
نعتقد جازمين ان كل المشاكل والصراعات وحتى الاحتلال والحروب التي تعيشها منطقتنا ومجتمعاتنا الاسلامية في جوهرها صراعات وحروب على هوية الانسان المسلم وان تمظهرت بمظاهر مختلفة( عسكرية، امنية ، اقتصادية، سياسية).
عند الحديث عن هوية الدولة العراقية في شكلها ومظهرها وجوهرها لابد من العودة الى بدايات تاسيس هذه الدولة وهي عشرينات القرن الماضي لنعرف ما هو الفكر والثقافة والقيم التي حملتها الاجيال السالفة لتاسيس الدولة، وما هي هوية تلك الدولة .
لا نريد ان ندخل في مهاترات او مزايدات في موضوعة الوطنية، فالكل ينتمي الى هذا الوطن بلا ادنى تمايز او تفاوت، لكن علينا ان نسال عن(صنف الدم ) الذي سفك من اجل هذه الدولة، ومن خلال فصيلة هذا الدم نعرف ماهية الهوية التي يؤمن بها الشعب، وبالتالي يكون الحديث عن هوية الدولة امر سهل.
بلا ادنى شك فان صنف الدم الذي تضمخت به ارض العراق لتبثيت اوتاد الدولة وصيرورة هويتها كانت من صنف( الدم الاسلامي)، ونعني به ذلك الوازع الذي استرخص الحياة وزخرفها من اجل ان يحافظ على خصوصية المجتمع باغلبيته الساحقة وثوابته الاسلامية.
منذ ثورة العشرين التي كانت ثورة اسلامية بامتياز من حيث الفتيا والقيادة ومشروع الاستشهاد، ومن ثم مقارعة الانظمة الظالمة والمتسبدة، بخاصة نظام البعث المجرم، كل القوى غير الاسلامية كانت متصالحة الاحتلال البريطاني، ومع البعث وجرائمه يسارية كانت او قومية ( في مراحل متعاقبة)، الا قادة الاسلام فلم يهادنوا، ولم يتحالفوا مع الاحتلال اوالبعث بكل جرائمه، وكيف يتصالحون وهم حطب تلك الجرائم ووقودها؟.
ثم كان الاحتلال الثاني للغرب والمتمثل بامريكا وحلفائها في عام 2003، اذ ان الاسلام حاضر بكل حمولاته الفقهية والعقائدية، في الوقت الذي ( لعلع) صوت غير الاسلام بالفرح والرقص على اصوات المدافع وازيز الطائرات، فسجل الاسلام حضورا حقيقيا في رفض الهيمنة والتبعية لاي احتلال كان، حتى لو فيه خلاص من ظلم البعثيين واجرامهم الفظيع.
خرج الاحتلال مثخن بجراحاته لينتقم من الاسلام بصناعة نموذج يحاكي ثقافة الاسلام والمتمثل بالقاعدة وداعش، فكان الاسلام الاصيل هو الثابت على الارض في الوقت الذي احزم (الغرباء) عن هذه الهوية حقائبهم وعادوا ادراجهم الى بلاد الغرب.
لا نستغرب من ثبات الاسلام، وانزاوء الاخر في حروبنا مع الاحتلال والارهاب، فالاسلام يدافع عن هويته، والاخر يرى في امريكا والغرب هويتهم.
يقول ( احمد امين) المفكر اليساري(و لايثار سؤال الهوية في بلد من البلدان الا حين تكون الهوية في ازمة مجتمعية كاملة).
حقا نحن اليوم في ازمة هوية وطنية ومجتمعية كاملة، وتكمن هذه الازمة في صراع الهويات الوجودية التي تؤسس لثقافة مجتمعية جديدة تريد من خلالها اثبات او الغاء الهوية السابقة للمجتمع.
فالصراع يكمن بين هوية مبنية على اساس الاسلام في بناء الشخصية العراقية وفق الموازين الاسلامية المبنية على اساس العدالة في الحقوق الواجبات، مع حفظ فطرة الانسان التي فطر الناس عليها، ومع مراعاة الخصوصية الفسيولجية والبيولوجية للتركيبة الانسانية .
وبين هوية مبنية على اساس ما يسمى ب( الجندر) التي لاتعترف باي فوارق فسيولجية او بيلوجية بين الرجل والمراة، وبلا اي فطرة انسانية على الاطلاق، فالجندر يساوي بين الرجل والمراة في كل شيء، متجاوزا التركيبة والخصوصية لكل منهما، فلا ضير في زواج الرجل من الرجل، او المراة من المراة وفق قانون الجندر.
فالجندر يتبنى الدفاع عن كل ما هو مخالف لفطرة الانسان، فضلا عن ثوابت الاسلام، فهو يدافع عن( المتحولين جنسيا) و( وثنائي الجنس) و( مرتدو ملابس الجنس الاخر) وهكذا.
لهذا عندما قلنا اننا في صراع فيما بيننا بما نحمله من ثوابت اسلامية وقيم انسانية، وبين الاخر الذي لا يجمعنا معه حتى القيم الانسانية فاننا نعني ما نقول.
لا نريد الاسهاب اكثر في طبيعة الصراع على الهوية الوطنية، لكننا نستغرب من انعقاد ندوات برعاية حكومية يحاضر فيها عدد من الكتاب والباحثين( مع احترامنا لشخوصهم) الا انهم من انتماء فكري وثقافي واحد، وبعضهم ليس في مقام الحديث عن الهوية الوطنية التي تمثل نتاج لتراث عظيم من التضحيات والدم الزكي، والادهى من ذلك ان يكون احد المحاضرين ممن يتبنى ويدعم ويدافع عن( الجندر) وضرورة تطبيقه او مراعاته في الهوية الوطنية.
لهذا مسؤوليتنا كنخب ومثقفين ان نقف بكل امكاناتنا ضد هكذا ندوات تريد سرقة تاريخنا ودماء شهدائنا، وتحاول ان تستنسخ هويات غربية لا تمت الى مجتمعنا وخصوصيته باية صلة
ربما للحديث صلة .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha