د. علي المؤمن ||
برغم أن موضوع الجنسية والقومية ليس له مدخلية إطلاقاً في فرز الفقيه والمرجع الشيعي، ولم يعرف الشيعة منذ تأسيس منظومة المرجعية في عصر السفراء الأربعة ثم الفقهاء المؤسسين الأربعة (الصدوق، المفيد، الشريف المرتضى والطوسي) وحتى الآن، مفهوماً عنوانه المرجعية القومية والمرجعية الوطنية والمرجعية المحلية، لأنه مفهوم يتعارض تعارضاً صريحاً مع عالمية الإسلام والتشيع والنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ إلّا أن هناك ظاهرة على هامش منظومة المرجعية الدينية الشيعية، تتمثل في الغلبة العددية للفقهاء والمراجع الإيرانيين، قياساً بعدد الفقهاء والمراجع الشيعة من البلدان الأخرى.
هناك أربعة أسباب موضوعية أساسية متكاملة وراء هذه الظاهرة:
1- الأغلبية العددية لشيعة ايران قياساً بعدد الشيعة العرب والأفغان والقوقاز والترك؛ فعدد شيعة ايران (76) مليون نسمة، بينما عدد كل الشيعة العرب، بمن فيهم العراقيين واللبنانيين والخليجيين، حوالي (35) مليون نسمة.
2- إن الدولة الإيرانية منذ مئات السنين هي دولة شيعية وتدعم علماء الدين وتشجع شعبها على الدراسة الحوزوية الدينية، وتسهل أمور الطلبة، على العكس من الدول العربية الطائفية، ومنها العراقية، التي تعمل بكل السبل لمحاربة التشيع والشيعة، والتضييق على الحوزات وعلماء الدين الشيعة، وصولاً الى اعتقالهم وقتلهم وتهجيرهم.
3- الاقبال العددي الكبير للايرانيين على الدراسة الحوزوية، قياساً باقبال الشيعة العرب؛ فعدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة العرب في العراق ولبنان وايران والبحرين والسعودية لايصل الى 10% من عدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة الإيرانيين، أي (200) ألف طالب وعالم دين ايراني مقابل (30) ألف طالب وعالم دين عربي. وهكذا بالنسبة لعدد طلبة الحوزة من الدول الأخرى، بمن فيهم الهنود والباكستانيين، رغم أن عدد شيعة شبه القارة الهندية يقارب (100) مليون نسمة، إلّا أن عدد علمائهم أقل بكثير من الطلبة والعلماء الإيرانيين، فضلاً عن أن أغلبهم متواجد داخل الهند وباكستان، وليس في مركزي انتاج الفقهاء والمراجع، أي النجف وقم.
4- إن حوزتي النجف وقم هما الوحيدتان اللتان تنتجان فقهاء ومراجع عادة، ما يعني أن شيعة إيران والعراق يدرسون في بلادهم دون عناء السفر والتغرب، ويتخرجون فقهاء ومراجع بدعم اجتماعهم الديني المحلي. في حين أن حوزات لبنان والبلدان الخليجية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان لاتنتج فقهاء ومراجع، وهو ما لايعطي الفرصة للاجتماع الديني المحلي لهذه البلدان بدعم فقهاء ومراجع منها.
وبالتالي؛ فإن من الطبيعي ان تفرز الكثرة الإيرانية السكانية الغالبة، وكذلك الكثرة العددية القياسية لعدد طلبة الحوزة الإيرانيين، ودور الدولة الإيرانية الإيجابي ودور الدول الأخرى السلبي، ودور حوزتي قم والنجف في دعم الاجتماع الديني العراقي والإيراني لأبنائهما؛ أغلبية فقهاء ومراجع إيرانيين، قياساً بشيعة دول العالم الأخرى.
أما الحديث عن كواليس وأسرار وتدافع وتنافس؛ فهو حديث أوهام لايصمد أمام الحقائق التي ذكرناها.
تجدر الإشارة الى أن أغلب الفقهاء والمراجع الايرانيين هم من السادة، أي من أحفاد رسول الله الذين يعتمرون العمامة السوداء، وبالتالي؛ فهم من أصول عربية خالصة، وسبق لأجداهم الهجرة من العراق أو الحجاز الى إيران، وقد اعتاد الشيعة على تقليد المرجع السيد غالباً، بصرف النظر عن جنسيته، وهو موضوع نفسي ومعنوي يحسس الشيعي بارتباطه الديني بذرية آل البيت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha